فتحتجب المسلمة عنها لقوله تعالى: * (أو نسائهن) * فلو جاز لها النظر لم يبق للتخصيص فائدة، وصح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه منع الكتابيات دخول الحمام مع المسلمات ربما تحكيها للكافر. والثاني: لا يحرم، نظرا إلى اتحاد الجنس كالرجال فإنهم لم يفرقوا فيهم بين نظر الكافر إلى المسلم والمسلم إلى المسلم. نعم على الأول يجوز أن ترى منها ما يبدو عند المهنة على الأشبه في الروضة، كأصلها وهو المعتمد، وقيل: الوجه والكفين فقط، ورجح البلقيني أنها معها كالأجنبي، وصرح به القاضي وغيره.
تنبيه: محل ذلك في كافرة غير محرم للمسلمة وغير مملوكة لها، أما هما فيجوز لهما النظر إليها كما أفتى به المصنف في المملوكة وبحثه الزركشي في المحرم، وهو ظاهر. وظاهر إيراد المصنف يقتضي أن التحريم على الذمية، وهو صحيح إن قلنا إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو الأصح، وإذا كان حراما على الكافرة حرم على المسلمة التمكين منه.
وأما نظر المسلمة إليها فمقتضى كلامهم جوازه، وهو المعتمد لفقد العلة المذكورة في الكافرة وإن توقف في ذلك الزركشي، وقول ابن عبد السلام: والفاسقة مع العفيفة كالكافرة مع المسلمة رده البلقيني، والرد ظاهر وإن جزم به الزركشي. (و) الأصح (جواز نظر المرأة) البالغة الأجنبية (إلى بدن) رجل (أجنبي سوى ما بين سرته وركبته إن لم تخف فتنة) ولا نظرت بشهوة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها نظرت إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، ولان ما سوى ما بينهما ليس بعورة منه في الصلاة. (قلت: الأصح التحريم) أي تحريم نظرها تبعا لجماعة من الأصحاب وقطع به في المذهب وغيره، (كهو) أي كنظر الأجنبي (إليها، والله أعلم) لقوله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) *.
وهو روي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت عند ميمونة عند رسول الله (ص)، إذ أقبل ابن أم مكتوم، فقال النبي (ص) احتجبا منه فقلت: يا سول الله أليس هو أعمى لا يبصر؟ فقال: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟.
رواه الترمذي وقال حديث صحيح.
تنبيه: قضية كلامه أنه يحرم على المرأة أن تنظر إلى وجه الرجل وكفيه عند الامن على الأصح. قال الجلال البلقيني: وهذا لم يقل به أحد من الأصحاب، واتفقت الأوجه على جواز نظرها إلى وجه الرجل وكفيه عند الامن من الفتنة اه. ويدل له حديث عائشة المار، لكن المصنف أجاب عنه في شرح مسلم بأنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت للعبهم وحرابتهم، ولا يلزمه منه تعمد النظر إلى البدن وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال. وأجاب عنه غيره بأن ذلك لعله كان قبل نزول الحجاب، أو كانت عائشة رضي الله تعالى عنها لم تبلغ مبلغ النساء إذ ذاك، وفي وجه ثالث أنها تنظر منه ما يبدو في المهنة فقط إذ لا حاجة إلى غيره، وقواه بعضهم لعموم البلوى في نظرهن في الطرقات إلى الرجال، ويستثنى على ما صححه المصنف ما إذا قصدت نكاحه فلها النظر إليه قطعا، بل يندب كما مر، وقول المصنف: كهو إليها قد يقتضيه. (ونظرها إلى محرمها) حكمه (كعكسه) وهو نظر الرجل إلى محرمه، فتنظر منه بلا شهوة ما عدا ما بين السرة والركبة، وقيل: ما يبدو منه في المهنة فقط.
تنبيه: عبارة الروضة: لا يحرم إلا ما بين السرة والركبة على المذهب، وبه قطع المحققون، وقيل: كنظره إليها، وهذا الذي ضعفه هو الذي جزم به هنا. وأما الخنثى المشكل فيعامل بالأشد فيجعل مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة إذا كان في سن يحرم فيه نظر الواضح كما جزم به المصنف في باب الاحداث من المجموع، ولا يجوز أن يخلو به أجنبي ولا أجنبية. ولو كان مملوكا لامرأة فهو معها كعبدها، وقيل: يستصحب فيه حكم الصغر، ويؤيده تصحيح المجموع أنه يغسله بعد موته الرجال والنساء، وأجاب الأول بضعف الشهوة بعد الموت بخلافها قبله. ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى في ضابط ما يحرم منه فقال: (ومتى حرم النظر حرم المس) لأنه أبلغ منه في اللذة وإثارة الشهوة، بدليل أنه لو مس فأنزل أفطر، ولو نظر فأنزل لم يفطر، فيحرم مس الأمرد كما يحرم نظره وأولى، ودلك الرجل فخذ الرجل بلا حائل،