مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٣٩٣
من الرجال والمتشبهات من النساء بالرجال واللعن لا يكون على مكروه. وليس قول الشافعي في الام: ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وإنه من زي النساء لا للتحريم مخالفا لهذا، لأن مراده أنه من جنس زي النساء لا أنه زي لبس يختص بهن. فإن قيل: إذا جاز للنساء المحاربة بآلتها غير محلاة جاز مع التحلية، لأن التحلي أجوز لهن من الرجال. أجيب بأنه إنما جاز لهن لبس آلة الحرب للضرورة، ولا ضرورة ولا حاجة إلى التحلية، ومثل المرأة الخنثى احتياطا. (ولها لبس أنواع حلي الذهب والفضة) بالاجماع للحديث السابق، كالسوار والطوق والخاتم والحلق في الآذان والأصابع والتاج وإن لم يتعودنه كما صوبه في المجموع في باب اللباس والنعل. ولو تقلدت المرأة الدراهم والدنانير المثقوبة بأن جعلتها في قلادتها زكيت بناء على تحريمها، وهو المعتمد كما في الروضة، وإن خالف في المجموع في باب اللباس فقد وافقها في موضع آخر. ويحمل ما في اللباس على المعراة وهي التي جعل لها عرا وجعلت في القلادة فإنها لا زكاة فيها. (وكذا ما نسج بهما) من الثياب لها لبسه (في الأصح) لعموم الأدلة، ولان ذلك من جنس الحلي، والثاني: لا، لزيادة السرف والخيلاء.
(والأصح تحريم المبالغة في السرف) في كل ما أبحناه، (كخلخال) للمرأة (وزنه مائتا دينار) لأن المباح ما يتزين به ولا زينة في مثل ذلك، بل تنفر منه النفس لاستبشاعه. ويؤخذ من هذا التعليل إباحة ما تتخذه من النساء في هذا الزمان من العصائب الذهب وإن كثر ذهبها، لأن النفس لا تنفر منه ولا تستبشع، بل هو في غاية الزينة. والثاني: لا يحرم، كما لا يحرم اتخاذ أساور وخلاخل لتلبس الواحد منها بعد الواحد، ويأتي في لبس ذلك معا ما مر في لبس الخواتيم للرجل. وخرج بتقييده السرف تبعا للمحرر بالمبالغة ما إذا أسرفت ولم تبالغ فإنه لا يحرم، لكنه يكره، فتجب فيه الزكاة كما يؤخذ من كلام ابن العماد.
وفارق ما سيأتي في آلة الحرب حيث لم يعتبر فيه عدم المبالغة بأن الأصل في الذهب والفضة جلهما للمرأة بخلافهما لغيرها فاغتفر لها قليل السرف. (وكذا) يحرم (إسرافه) أي الرجل (في آلة الحرب) في الأصح، وإن لم يبالغ فيه لما مر من الفرق.
ولو اتخذ آلات كثيرة للحرب محلاة جاز كما مر في اتخاذ الخواتيم للرجل.
فائدة: السرف: مجاوزة الحد، ويقال في النفقة التبذير، وهو الانفاق في غير حق المسرف المنفق في معصية وإن قل إنفاقه، وغيره المنفق في الطاعة وإن أفرط، قال ابن عباس: ليس في الحلال إسراف، وإنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال الحسن بن سهل: لا سرف في الخير كما لا خير في السرف. وقال سفيان الثوري: الحلان لا يحتمل السرف. وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته: ما نفقتك؟ قال: الحسنة بين السيئتين، ثم تلا قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * الآية. (و) الأصح (جواز تحلية المصحف بفضة) للرجل والمرأة إكراما له، والثاني: لا يجوز كالأواني. والخلاف قولان منصوصان، وقيل وجهان كما حكاه المصنف. (وكذا) يجوز (للمرأة) فقط (بذهب) لعموم: أحل الذهب والحرير لإناث أمتي والثاني: يجوز لهما إكراما، والثالث: المنع لهما. والطفل في ذلك كله كالمرأة.
قال الزركشي: وينبغي أن يلحق بالمصحف في ذلك اللوح المعد لكتابة القرآن. ويحل تحلية غلاف المصحف المنفصل عنه بالفضة للرجل والمرأة، وأما بالذهب قال في المجموع: فحرام بلا خلاف، نص عليه الشافعي والأصحاب، أي وإنما لم يجز للمرأة ذلك لأنه ليس حلية للمصحف. قال الغزالي: ومن كتب المصحف بذهب فقد أحسن، ولا زكاة عليه، وظاهره أنه لا فرق بين أن يكتب للرجال أو للنساء، وهو كذلك، وإن نازع في ذلك الأذرعي. واحترز المصنف بتحلية المصحف عن تحلية الكتب فلا يجوز تحليتها على المشهور، قال في الذخائر: سواء فيه كتب الحديث وغيرها.
ولو حلى المساجد أو الكعبة أو قناديلها بذهب أو فضة حرم لأنها ليست في معنى المصحف، ولان ذلك لم ينقل عن السلف، فهو بدعة وكل بدعة ضلالة إلا ما استثني بخلاف كسوة الكعبة بالحرير فيزكى ذلك لا إن جعل وقفا على المسجد فلا يزكى لعدم المالك المعين. وظاهر كما قال شيخنا أن محل صحة وقفه إذا حل استعماله بأن احتيج إليه، وإلا فوقف المحرم باطل،
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532