من الرجال والمتشبهات من النساء بالرجال واللعن لا يكون على مكروه. وليس قول الشافعي في الام: ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وإنه من زي النساء لا للتحريم مخالفا لهذا، لأن مراده أنه من جنس زي النساء لا أنه زي لبس يختص بهن. فإن قيل: إذا جاز للنساء المحاربة بآلتها غير محلاة جاز مع التحلية، لأن التحلي أجوز لهن من الرجال. أجيب بأنه إنما جاز لهن لبس آلة الحرب للضرورة، ولا ضرورة ولا حاجة إلى التحلية، ومثل المرأة الخنثى احتياطا. (ولها لبس أنواع حلي الذهب والفضة) بالاجماع للحديث السابق، كالسوار والطوق والخاتم والحلق في الآذان والأصابع والتاج وإن لم يتعودنه كما صوبه في المجموع في باب اللباس والنعل. ولو تقلدت المرأة الدراهم والدنانير المثقوبة بأن جعلتها في قلادتها زكيت بناء على تحريمها، وهو المعتمد كما في الروضة، وإن خالف في المجموع في باب اللباس فقد وافقها في موضع آخر. ويحمل ما في اللباس على المعراة وهي التي جعل لها عرا وجعلت في القلادة فإنها لا زكاة فيها. (وكذا ما نسج بهما) من الثياب لها لبسه (في الأصح) لعموم الأدلة، ولان ذلك من جنس الحلي، والثاني: لا، لزيادة السرف والخيلاء.
(والأصح تحريم المبالغة في السرف) في كل ما أبحناه، (كخلخال) للمرأة (وزنه مائتا دينار) لأن المباح ما يتزين به ولا زينة في مثل ذلك، بل تنفر منه النفس لاستبشاعه. ويؤخذ من هذا التعليل إباحة ما تتخذه من النساء في هذا الزمان من العصائب الذهب وإن كثر ذهبها، لأن النفس لا تنفر منه ولا تستبشع، بل هو في غاية الزينة. والثاني: لا يحرم، كما لا يحرم اتخاذ أساور وخلاخل لتلبس الواحد منها بعد الواحد، ويأتي في لبس ذلك معا ما مر في لبس الخواتيم للرجل. وخرج بتقييده السرف تبعا للمحرر بالمبالغة ما إذا أسرفت ولم تبالغ فإنه لا يحرم، لكنه يكره، فتجب فيه الزكاة كما يؤخذ من كلام ابن العماد.
وفارق ما سيأتي في آلة الحرب حيث لم يعتبر فيه عدم المبالغة بأن الأصل في الذهب والفضة جلهما للمرأة بخلافهما لغيرها فاغتفر لها قليل السرف. (وكذا) يحرم (إسرافه) أي الرجل (في آلة الحرب) في الأصح، وإن لم يبالغ فيه لما مر من الفرق.
ولو اتخذ آلات كثيرة للحرب محلاة جاز كما مر في اتخاذ الخواتيم للرجل.
فائدة: السرف: مجاوزة الحد، ويقال في النفقة التبذير، وهو الانفاق في غير حق المسرف المنفق في معصية وإن قل إنفاقه، وغيره المنفق في الطاعة وإن أفرط، قال ابن عباس: ليس في الحلال إسراف، وإنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال الحسن بن سهل: لا سرف في الخير كما لا خير في السرف. وقال سفيان الثوري: الحلان لا يحتمل السرف. وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته: ما نفقتك؟ قال: الحسنة بين السيئتين، ثم تلا قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * الآية. (و) الأصح (جواز تحلية المصحف بفضة) للرجل والمرأة إكراما له، والثاني: لا يجوز كالأواني. والخلاف قولان منصوصان، وقيل وجهان كما حكاه المصنف. (وكذا) يجوز (للمرأة) فقط (بذهب) لعموم: أحل الذهب والحرير لإناث أمتي والثاني: يجوز لهما إكراما، والثالث: المنع لهما. والطفل في ذلك كله كالمرأة.
قال الزركشي: وينبغي أن يلحق بالمصحف في ذلك اللوح المعد لكتابة القرآن. ويحل تحلية غلاف المصحف المنفصل عنه بالفضة للرجل والمرأة، وأما بالذهب قال في المجموع: فحرام بلا خلاف، نص عليه الشافعي والأصحاب، أي وإنما لم يجز للمرأة ذلك لأنه ليس حلية للمصحف. قال الغزالي: ومن كتب المصحف بذهب فقد أحسن، ولا زكاة عليه، وظاهره أنه لا فرق بين أن يكتب للرجال أو للنساء، وهو كذلك، وإن نازع في ذلك الأذرعي. واحترز المصنف بتحلية المصحف عن تحلية الكتب فلا يجوز تحليتها على المشهور، قال في الذخائر: سواء فيه كتب الحديث وغيرها.
ولو حلى المساجد أو الكعبة أو قناديلها بذهب أو فضة حرم لأنها ليست في معنى المصحف، ولان ذلك لم ينقل عن السلف، فهو بدعة وكل بدعة ضلالة إلا ما استثني بخلاف كسوة الكعبة بالحرير فيزكى ذلك لا إن جعل وقفا على المسجد فلا يزكى لعدم المالك المعين. وظاهر كما قال شيخنا أن محل صحة وقفه إذا حل استعماله بأن احتيج إليه، وإلا فوقف المحرم باطل،