فإن كان الباقي نصابا زكاه، وإن كان دونه بنى على أن الامكان شرط للوجوب أو للضمان وسيأتي. فإن قلنا بالأول فلا شئ عليه وإلا زكى الباقي بحصته. (فإذا ضمن) أي المالك (جاز تصرفه في جميع المخروص بيعا وغيره) لانقطاع التعلق عن العين. وقد يفهم كلام المصنف أنه يمتنع عليه التصرف قبل التضمين في جميع المخروص لا بعضه، وهو كذلك، فينفذ تصرفه فيما عدا الواجب شائعا لبقاء الحق في العين لا معينا فلا يجوز له أكل شئ منه، فإن لم يبعث الحاكم خارصا أو لم يكن حاكم تحاكم إلى عدلين عالمين بالخرص يخرصان عليه لينتقل الحق إلى الذمة ويتصرف في الثمرة. واستشكل الأذرعي إطلاقهم جواز التصرف بالبيع وغيره بعد التضمين إذا كان المالك معسرا ويعلم أنه يصرف الثمرة كلها في دينه أو يأكلها عياله قبل الجفاف ويضيع حق المستحقين ولا ينفعهم كونه في ذمته الخربة. (ولو ادعى) المالك (هلاك المخروص) كله أو بعضه، (بسبب خفي كسرقة) أو مطلقا كما قاله الرافعي، فهما من كلامهم. (أو ظاهر عرف) أي اشتهر بين الناس كحريق أو برد أو نهب دون عمومه، أو عرف عمومه ولكن اتهم في هلاك الثمر به. (صدق بيمينه) في دعوى التلف بذلك السبب، فإن عرف السبب الظاهر وعمومه ولم يتهم صدق بلا يمين.
تنبيه: اليمين هنا وفيما سيأتي من مسائل الفصل مستحبة على الأصح، وجعله السرقة من أمثلة الهلاك جرى على الغالب لأن المسروق قد يكون باقيا، فلو عبر بالضائع بدل الهلاك لكان أولى. (فإن لم يعرف الظاهر طولب ببينة) على وقوعه (على الصحيح) لسهولة إقامتها، (ثم) بعد إقامتها (يصدق بيمينه في الهلاك به) أي بذلك السبب لاحتمال سلامة ماله بخصوصه، والثاني: يصدق بيمينه بلا بينة لأنه مؤتمن شرعا. ولو ادعى تلفه بحريق وقع في الجرين مثلا وعلمنا أنه لم يقع في الجرين حريق لم يبال بكلامه. (ولو ادعى حيف الخارص) فيما خرصه، أي إخباره عمدا بزيادة على ما عنده قليلة كانت أو كثيرة. (أو غلطه) فيه (بما يبعد) أي لا يقع عادة من أهل المعرفة بالخرص كالربع، (لم يقبل) إلا ببينة، أما في الأولى فقياسا على دعوى الجور على الحاكم أو الكذب على الشاهد، وأما في الثانية فللعلم ببطلانه عادة. نعم يحط عنه القدر المحتمل وهو الذي لو اقتصر عليه لقبل، ولو لم يدع غلط الخارص وقال لم أجد إلا هذا فإنه يصدق إذ لا تكذيب فيه لاحد لاحتمال تلفه، قاله الماوردي وغيره.
فائدة: يقال: غلط في منطقه، وغلت بالمثناة في الحساب. (أو) ادعى غلطه (بمحتمل) بفتح الميم بعد تلف المخروص وبين قدره، وكان مقدارا يقع عادة بين الكيلين كوسق في مائة، (قبل في الأصح) وحط عنه ما ادعاه، لأنه أمين فوجب الرجوع إليه في دعوى نقصه عند كيله، لأن الكيل يقين والخرص تخمين فالإحالة عليه أولى. والثاني: لا يحط، لاحتمال أن النقصان في كيله له ولعله يوفي لو كاله ثانيا، فإن كان المخروص باقيا أعيد كيله، فإن كان أكثر مما يقع بين الكيلين مما هو محتمل أيضا كخمسة أوسق من مائة، قال البندنيجي: وكعشر الثمرة وسدسها قبل قوله، وحط عند ذلك القدر بلا خلاف، فإن اتهم في دعواه بما ذكر حلف، ولو ادعى غلطه ولم يبين قدرا لم تسمع دعواه.
خاتمة: قال الماوردي: يستحب أن يكون الجداد نهارا ليطعم الفقراء، وقد ورد النهي عن الجداد ليلا سواء أوجبت في المجدود الزكاة أم لا. وإذا أخرج زكاة الثمار والحبوب وأقامت عنده سنين لم يجب فيها شئ آخر بخلاف الماشية والذهب والفضة، لأن الله تعالى علق وجوب الزكاة بحصادها ولم يتكرر فلا تتكرر الزكاة، لأنها إنما تكرر في الأموال النامية، وهذه منقطعة النماء متعرضة للفساد. وتؤخذ الزكاة ولو كانت الأرض خراجية، والخراج المأخوذ ظلما لا يقوم مقام العشر، فإن أخذه السلطان على أن يكون بدل العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد فيسقط به الفرض في الأصح. والنواحي التي يؤخذ منها الخراج ولا يعلم حالها يستدام الاخذ منها فإنه يجوز أن يكون صنع بها كما صنع عمر رضي الله تعالى عنه في خراج السواد.