في صحيحيهما. وقيل: يجب الخرص، لظاهر الحديث. والخرص لغة: القول بالظن، ومنه قوله تعالى: * (قتل الخراصون) * واصطلاحا ما تقرر، وحكمته الرفق بالمالك والمستحق. ولا فرق في الخرص بين ثمار البصرة وغيرها كما هو ظاهر كلام الأصحاب، وإن استثنى الماوردي ثمار البصرة فقال: يحرم خرصها بالاجماع لكثرتها ولكثرة المؤنة في خرصها ولإباحة أهلها الاكل منها للمجتاز، وتبعه عليه الروياني، قال: وهذا في النخل، أما الكرم فهم فيه كغيرهم، قال السبكي: وعلى هذا ينبغي إذا عرف من شخص أو بلد ما عرف من أهل البصرة يجري عليه حكمهم اه. ويجوز خرص الكل إذا بدا الصلاح في نوع دون آخر في أقيس الوجهين. وخرج بالثمر الحب فلا خرص فيه لاستتار حبه، ولأنه لا يؤكل غالبا رطبا بخلاف الثمرة، ويبدو الصلاح ما قبله لأن الخرص لا يتأتى فيه إذ لا حق للمستحقين فيه، ولا ينضبط المقدار لكثرة العاهات قبل بدو الصلاح. وكيفية الخرص أن يطوف بالنخلة ويرى جميع عناقيدها ويقول: عليها من الرطب أو العنب كذا، ويجئ منه تمرا أو زبيبا كذا، ثم يفعل كذلك بنخلة بعد نخلة إن اختلف النوع. ولا يقتصر على رؤية البعض وقياس الباقي لأنها، تتفاوت فإن أتحد النوع جاز أن يخرص الجميع رطبا أو عنبا ثم تمرا أو زبيبا. (والمشهور إدخال جميعه في الخرص) لعموم الأدلة المقتضية لوجوب العشر أو نصفه من غير استثناء، والثاني: أنه يترك للمالك ثمر نخلة أو نخلات يأكله أهله. واحتج له بقوله عليه الصلاة والسلام: إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع رواه أبو داود وصححه ابن حبان، ويختلف ذلك بكثرة عياله وقلتهم. وأجاب الشافعي رضي الله تعالى عنه بحمله على أنه يترك له ذلك من الزكاة لا من المخروص ليفرقه بنفسه على فقراء أهله وجيرانه لطمعهم في ذلك منه. (و) المشهور (أنه يكفي خارص) واحد كالحاكم، لأنه يجتهد ويعمل باجتهاده، ولأنه (ص) كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصا أول ما تطيب الثمرة رواه أبو داود بإسناد حسن، والثاني: يشترط اثنان كالتقويم والشهادة، وقطع بعضهم بالأول. (وشرطه) أي الخارص واحدا كان أو اثنين:
(العدالة) في الرواية، لأن الفاسق لا يقبل قوله، ولا بد أن يكون عالما بالخرص لأنه اجتهاد، والجاهل بالشئ ليس من أهل الاجتهاد فيه. (وكذا) شرطه (الحرية والذكورة في الأصح) لأن الخرص ولاية، وليس الرقيق والمرأة من أهلها، والثاني:
لا يشترطان كما في الكيال والوزان. ولو اختلف خارصان توقفنا حتى يتبين المقدار منهما أو من غيرهما، نقله في زيادة الروضة عن الدارمي، ثم قال: وهو ظاهر. (فإذا خرص فالأظهر أن حق الفقراء ينقطع من عين الثمر ويصير في ذمة المالك التمر والزبيب ليخرجهما بعد جفافه) إن لم يتلف قبل التمكن بلا تفريط، لأن الخرص يبيح له التصرف في الجميع كما سيأتي، وذلك يدل على انقطاع حقهم عنه. والثاني: لا ينتقل حقهم إلى ذمته بل يبقى متعلقا بالعين كما كان لأنه ظن وتخمين فلا يؤثر في نقل حق إلى الذمة. وفائدة الخرص على هذا جواز التصرف في غير قدر الزكاة، ويسمى هذا قول العبرة، أي لاعتباره القدر، والأول قول التضمين. أما إذا تلف قبل التمكن بآفة أو سرقة من الشجر أو من الجرين قبل الجفاف بلا تفريط فلا شئ عليه كما سيأتي. (ويشترط) في الانقطاع والصيرورة المذكورين (التصريح) من الخارص أو من يقوم مقامه (بتضمينه) أي حق المستحقين للمالك، كأن يقول الساعي: ضمنتك نصيب المستحقين من الرطب أو العنب بكذا تمرا أو زبيبا. (وقبول المالك) التضمين (على المذهب) بناء على الأظهر لأن الحق ينتقل من العين إلى الذمة فلا بد من رضاهما كالبائع والمشتري، فإن لم يضمنه أو ضمنه فلم يقبله المالك بقي حق الفقراء كما كان والمضمن هو الساعي أو الامام. وتقييده القبول بالمالك ربما يخرج الولي ونحوه، وليس مرادا. (وقيل ينقطع) حقهم (بنفس الخرص) لأن التضمين لم يرد في الحديث. وليس هذا التضمين على حقيقة الضمان، لأنه لو تلفت الثمار جميعها بآفة سماوية أو سرقت من الشجر أو الجرين قبل الجفاف بلا تفريط فلا شئ عليه قطعا لفوات الامكان، وإن تلف بعض الثمار