وألحق به الباقي. وأما قوله (ص) لأبي موسى الأشعري ومعاذ حين بعثهما إلى اليمن فيما رواه الحاكم وصحح إسناده:
لا تؤخذ الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطة والتمر والزبيب فالحصر فيه إضافي، أي بالنسبة إلى ما كان موجودا عندهم، لما رواه الحاكم وصحح إسناده من قوله (ص): فيما سقت السماء والسيل والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر. وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب فعفو عفا عنه رسول الله (ص). والقضب بسكون المعجمة: الرطب بسكون الطاء، وخرج بالقوت غيره، كخوخ ورمان وتين ولوز وجوز هند وتفاح ومشمش، وبالاختيار ما يقتات في الجدب اضطرارا من حبوب البوادي كحب الحنظل وحب الغسول وهو أشنان فلا زكاة فيها كما لا زكاة في الوحشيات من الظباء ونحوها. وأبدل التنبيه قيد الاختيار بما يستنبته الآدميون، لأن ما لا يستنبتونه ليس فيه شئ يقتات اختيارا. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو حمل السيل حبا تجب فيه الزكاة من دار الحرب فنبت بأرضنا فإنه لا زكاة فيه كالنخل المباح بالصحراء، وكذا ثمار البستان وغلة القرية الموقوفين على المساجد والقناطر والربط والفقراء والمساكين لا تجب فيها الزكاة على الصحيح، إذ ليس له مالك معين. ولو أخذ الامام الخراج على أن يكون بدلا عن العشر كان كأخذ القيمة في الزكاة بالاجتهاد فيسقط به الفرض، فإن نقص عن الواجب تممه. (وفي القديم تجب في الزيتون) لقول عمر رضي الله تعالى عنه: في الزيتون العشر، وقول الصحابة حجة في القديم، فلذلك أوجبه، لكن الأثر المذكور ضعيف. (و) في (الزعفران و) في (الورس) لاشتراكهما في المنفعة. روي في الزعفران أثر ضعيف، وألحق الورس به، وهو نبت أصفر يصبغ به الثياب وهو كثير باليمن. (و) في (القرطم) وهو بكسر القاف والطاء وضمهما:
حب العصفر، لأن أبيا كان يأخذ العشر منه. (و) في (العسل) سواء كان نحله مملوكا أم أخذ من الأمكنة المباحة، لما روى ابن ماجة عن عمرو بن شعيب: أنه (ص) أخذ منه العشر، لكن قال البخاري والترمذي: لم يصح في زكاته شئ.
فائدة: لعاب العسل النحل يذكر ويؤنث ويجمع إذا أردت أنواعه على أعسال وعسل وعسول وعسلان. ومن أسمائه الحافظ الأمين، قال تعالى: * (فيه شفاء للناس) *. وكان (ص) يحبه ويصطفيه، وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي (ص) قال: من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء، وفيه أيضا: عليكم بالشفاءين العسل والقرآن. فجمع في هذا القول بين الطب البشري والطب الإلهي، وبين طب الأجساد وطب الأنفس، وبين السبب الأرضي والسبب السماوي، ولذلك قال ابن مسعود: العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين القرآن والعسل. (ونصابه) أي القوت الذي تجب فيه الزكاة، (خمسة أوسق) لقوله (ص): ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة رواه الشيخان. والوسق بالفتح على الأفصح وهو مصدر بمعنى الجمع، سمي به هذا المقدار لأجل ما جمعه من الصيعان، قال تعالى: * (والليل وما وسق) * أي جمع. (وهي) أي الأوسق الخمسة، (ألف وستمائة رطل بغدادية) لأن الوسق ستون صاعا كما رواه ابن حبان وغيره، فمجموع الخمسة ثلاثمائة صاع، والصاع أربعة أمداد، فيكون النصاب ألف مد ومائتي مد، والمد رطل وثلث بالبغدادي، وذلك ألف وستمائة رطل، وقدرت بالبغدادي لأنه الرطل الشرعي كما قاله المحب الطبري. (وبالدمشقي) وهو ستمائة درهم، (ثلاثمائة وستة وأربعون رطلا وثلثان) لأن الرطل الدمشقي ستمائة درهم. وعند الرافعي: أن الرطل البغدادي مائة وثلاثون درهما، فيكون المد مائة وثلاثة وسبعين درهما وثلث درهم، والصاع ستمائة وثلاثة وتسعون وثلث، فاضرب ستمائة وثلاثا وتسعين في ثلاثمائة تبلغ مائتي ألف وثمانية آلاف، واجعل كل ستمائة رطلا يتحصل من مجموع ذلك ما ذكر. (قلت: الأصح) أنها بالدمشقي (ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلا وستة أسباع رطل، لأن الأصح أن رطل بغداد مائة وثمانية وعشرون