مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٣٥٥
يعزي بكل من يحصل له عليه وجد كما ذكره الحسن البصري حتى الزوجة والصديق. وتعبيرهم بالأهل جرى على الغالب، وتندب البداءة بأضعفهم عن حمل المصيبة. وخرج بقولنا في الجملة تعزية الذمي بذمي فإنها جائزة لا مندوبة. وهي لغة:
التسلية عمن يعز عليه، واصطلاحا: الامر بالصبر والحمل عليه بوعد الاجر، والتحذير من الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة، وللمصاب بجبر المصيبة. وتسن (قبل دفنه) لأنه وقت شدة الجزع والحزن، (و) لكن (بعده) أولى لاشتغالهم قبله بتجهيزه إلا إن أفرط حزنهم فتقديمها أولى ليصبرهم. وغايتها (ثلاثة أيام) تقريبا من الموت لحاضر ومثل القدوم لغائب، ومثل الغائب المريض والمحبوس، فتكره التعزية بعدها إذ الغرض منها تسكين قلب المصاب، والغالب سكونه فيها فلا يجدد حزنه، ويكره الجلوس لها بان يجتمع أهل الميت بمكان ليأتيهم الناس للتعزية لأنه محدث، وهو بدعة و لأنه يجدد الحزن ويكلف المعزى، وأما ما ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها من أنه (ص) لما جاءه قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس في المسجد يعرف في وجهه الحزن فلا نسلم أن جلوسه كان لأجل أن يأتيه الناس ليعزوه. (ويعزى) بفتح الزاي (المسلم) أي يقال في تعزيته (بالمسلم: أعظم) أي جعل (الله أجرك) عظيما (وأحسن) أي جعل الله (عزاءك) بالمد، حسنا. وزاد على المحرر قوله: (وغفر لميتك) لأنه لائق بالحال، وقدم الدعاء للمعزى لأنه المخاطب. ويسن أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله (ص) بموته: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. (و) يعزى المسلم، أي يقال في تعزيته (بالكافر) الذمي: (أعظم الله أجرك وصبرك) وأخلف عليك أو جبر مصيبتك أو نحو ذلك، كما في الروضة كأصلها، لأنه اللائق بالحال. قال أهل اللغة: إذا احتمل حدوث مثل الميت أو غيره من الأموال، يقال: أخلف الله عليك بالهمز، لأن معناه: رد عليك مثل ما ذهب منك، وإلا: خلف عليك، أي كان الله خليفة عليك من فقده. ولا يقول وغفر لميتك، لأن الاستغفار للكافر حرام. (و) يعزى (الكافر) المحترم جوازا، إلا إن رجي إسلامه فندبا، أي يقال في تعزيته (بالمسلم: غفر الله لميتك وأحسن عزاءك) وقدم الدعاء للميت في هذا لأنه لمسلم والحي كافر، ولا يقال أعظم الله أجرك لأنه لا أجر له. أما الكافر غير المحترم من حربي أو مرتد كما بحثه الأذرعي فلا يعزى، وهل هو حرام أو مكروه؟ الظاهر في المهمات الأول، ومقتضى كلام الشيخ أبي حامد الثاني وهو الظاهر. هذا إن لم يرج إسلامه فإن رجي استحبت كما يؤخذ من كلام السبكي ولا يعزى به أيضا. ولم يذكر المصنف تعزية الكافر بالكافر لأنها غير مستحبة كما اقتضاه كلام الشرح والروضة، بل هي جائزة إن لم يرج إسلامه كما مرت الإشارة إلى ذلك، وإن كان قضية كلام التنبيه استحبابها مطلقا كما نبهت على ذلك في شرحه، وصيغتها: أخلف الله عليك ولا نقص عددك بالنصب والرفع، ونحو ذلك، لأن ذلك ينفعنا في الدنيا بكثرة الجزية وفي الآخرة بالفداء من النار. قال في المجموع: وهو مشكل لأنه دعاء بدوام الكفر، فالمختار تركه. ومنعه ابن النقيب بأنه ليس فيه ما يقتضي البقاء على الكفر، ولا يحتاج إلى تأويله بتكثير الجزية.
فائدة: سئل أبو بكرة عن موت الأهل فقال: موت الأب قصم الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت الزوجة حزن ساعة. ولذا قال الحسن البصري: من الأدب أن لا يعزى الرجل في زوجته وهذا من تفرداته. ولما عزي (ص) في بنته رقية قال: الحمد لله دفن البنات من المكرمات رواه العسكري في الأمثال. (ويجوز البكاء عليه) أي الميت (قبل الموت) بالاجماع، لكن الأولى عدمه، بحضرة المحتضر، قال في الروضة كأصلها والبكاء قبل الموت أولى منه بعده. قال الأسنوي: ومقتضاه طلب البكاء، وبه صرح القاضي حسين فقال:
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532