يعزي بكل من يحصل له عليه وجد كما ذكره الحسن البصري حتى الزوجة والصديق. وتعبيرهم بالأهل جرى على الغالب، وتندب البداءة بأضعفهم عن حمل المصيبة. وخرج بقولنا في الجملة تعزية الذمي بذمي فإنها جائزة لا مندوبة. وهي لغة:
التسلية عمن يعز عليه، واصطلاحا: الامر بالصبر والحمل عليه بوعد الاجر، والتحذير من الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة، وللمصاب بجبر المصيبة. وتسن (قبل دفنه) لأنه وقت شدة الجزع والحزن، (و) لكن (بعده) أولى لاشتغالهم قبله بتجهيزه إلا إن أفرط حزنهم فتقديمها أولى ليصبرهم. وغايتها (ثلاثة أيام) تقريبا من الموت لحاضر ومثل القدوم لغائب، ومثل الغائب المريض والمحبوس، فتكره التعزية بعدها إذ الغرض منها تسكين قلب المصاب، والغالب سكونه فيها فلا يجدد حزنه، ويكره الجلوس لها بان يجتمع أهل الميت بمكان ليأتيهم الناس للتعزية لأنه محدث، وهو بدعة و لأنه يجدد الحزن ويكلف المعزى، وأما ما ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها من أنه (ص) لما جاءه قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس في المسجد يعرف في وجهه الحزن فلا نسلم أن جلوسه كان لأجل أن يأتيه الناس ليعزوه. (ويعزى) بفتح الزاي (المسلم) أي يقال في تعزيته (بالمسلم: أعظم) أي جعل (الله أجرك) عظيما (وأحسن) أي جعل الله (عزاءك) بالمد، حسنا. وزاد على المحرر قوله: (وغفر لميتك) لأنه لائق بالحال، وقدم الدعاء للمعزى لأنه المخاطب. ويسن أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله (ص) بموته: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. (و) يعزى المسلم، أي يقال في تعزيته (بالكافر) الذمي: (أعظم الله أجرك وصبرك) وأخلف عليك أو جبر مصيبتك أو نحو ذلك، كما في الروضة كأصلها، لأنه اللائق بالحال. قال أهل اللغة: إذا احتمل حدوث مثل الميت أو غيره من الأموال، يقال: أخلف الله عليك بالهمز، لأن معناه: رد عليك مثل ما ذهب منك، وإلا: خلف عليك، أي كان الله خليفة عليك من فقده. ولا يقول وغفر لميتك، لأن الاستغفار للكافر حرام. (و) يعزى (الكافر) المحترم جوازا، إلا إن رجي إسلامه فندبا، أي يقال في تعزيته (بالمسلم: غفر الله لميتك وأحسن عزاءك) وقدم الدعاء للميت في هذا لأنه لمسلم والحي كافر، ولا يقال أعظم الله أجرك لأنه لا أجر له. أما الكافر غير المحترم من حربي أو مرتد كما بحثه الأذرعي فلا يعزى، وهل هو حرام أو مكروه؟ الظاهر في المهمات الأول، ومقتضى كلام الشيخ أبي حامد الثاني وهو الظاهر. هذا إن لم يرج إسلامه فإن رجي استحبت كما يؤخذ من كلام السبكي ولا يعزى به أيضا. ولم يذكر المصنف تعزية الكافر بالكافر لأنها غير مستحبة كما اقتضاه كلام الشرح والروضة، بل هي جائزة إن لم يرج إسلامه كما مرت الإشارة إلى ذلك، وإن كان قضية كلام التنبيه استحبابها مطلقا كما نبهت على ذلك في شرحه، وصيغتها: أخلف الله عليك ولا نقص عددك بالنصب والرفع، ونحو ذلك، لأن ذلك ينفعنا في الدنيا بكثرة الجزية وفي الآخرة بالفداء من النار. قال في المجموع: وهو مشكل لأنه دعاء بدوام الكفر، فالمختار تركه. ومنعه ابن النقيب بأنه ليس فيه ما يقتضي البقاء على الكفر، ولا يحتاج إلى تأويله بتكثير الجزية.
فائدة: سئل أبو بكرة عن موت الأهل فقال: موت الأب قصم الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت الزوجة حزن ساعة. ولذا قال الحسن البصري: من الأدب أن لا يعزى الرجل في زوجته وهذا من تفرداته. ولما عزي (ص) في بنته رقية قال: الحمد لله دفن البنات من المكرمات رواه العسكري في الأمثال. (ويجوز البكاء عليه) أي الميت (قبل الموت) بالاجماع، لكن الأولى عدمه، بحضرة المحتضر، قال في الروضة كأصلها والبكاء قبل الموت أولى منه بعده. قال الأسنوي: ومقتضاه طلب البكاء، وبه صرح القاضي حسين فقال: