في ذلك خبر: ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثا، رواه مسلم. قوله ليليني بياء مفتوحة بعد اللام وتشديد النون وبحذف الياء وتخفيف النون روايتان. وأولو أي أصحاب. والأحلام: جمع حلم بالكسر وهو التأني في الامر. والنهى: جمع نهية بالضم: وهي العقل، قاله في المجموع وغيره. وفي شرح مسلم: النهى: العقول، وأولو الأحلام:
العقلاء، وقيل: البالغون، فعلى القول الأول يكون اللفظان بمعنى، ولاختلاف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيدا، وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء. ومحل ما ذكر ما إذا حضر الجميع دفعة واحدة، فلو سبق الصبيان بالحضور لم يؤخروا للرجال اللاحقين كما لو سبقوا إلى الصف الأول فإنهم أحق به على الصحيح، نقله في الكفاية عن القاضي حسين وغيره وأقره لأنهم من جنسهم بخلاف الخناثى والنساء، وإنما تؤخر الصبيان على الرجال كما قال الأذرعي إذا لم يسعهم صف الرجال وإلا كمل بهم. وقيل: إن كان الصبيان أفضل من الرجال كأن كانوا فسقة والصبيان صلحاء قدموا عليهم، قاله الدارمي.
(وتقف إمامتهن) ندبا (وسطهن) بسكون السين، لثبوت ذلك عن فعل عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما، رواه البيهقي بإسناد صحيح. أما إذا أمهن غير المرأة من رجل أو خنثى فإنه يتقدم عليهن.
فائدة: كل موضع ذكر فيه وسط إن صلح فيه بين فهو بالتسكين كما هنا وإن لم يصلح فيه ذلك كجلست وسط الدار فهو بالفتح. قال الأزهري، وقد أجازوا في المفتوح الاسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح. ومثل المرأة في ذلك عار أم بصراء في ضوء، فلو كانوا عراة فإن كانوا عميا أو في ظلمة أو في ضوء لكن إمامهم مكتس استحب أن يتقدم إمامهم كغيرهم بناء على استحباب الجماعة لهم، وإن كانوا بصراء بحيث يتأتى نظر بعضهم بعضا، فالجماعة في حقهم وانفرادهم سواء كما مر، فإن صلوا جماعة في هذه الحالة وقف الإمام وسطهم كما مر. قال ابن الرفعة عن الإمام والمتولي: هذا إذا أمكن وقوفهم صفا وإلا وقفوا صفوفا مع غض البصر، وبهذا جزم المصنف في مجموعه في باب ستر العورة. وإذا اجتمع الرجال مع النساء والجميع عراة لا يصلين معهم لا في صف ولا في صفين بل يتنحين ويجلسن خلفهم ويستدبرون القبلة حتى تصلي الرجال، وكذا عكسه. فإن أمكن أن يتوارى كل طائفة بمكان آخر حتى تصلي الطائفة الأخرى فهو أفضل، ذكره في المجموع. وأفضل صفوف الرجال ولو مع غيرهم والخناثى الخلص كذلك أولها، وهو الذي يلي الإمام، وإن تخلله منبر أو نحوه، ثم الأقرب فالأقرب إليه، وأفضلها للنساء مع الرجال أو الخناثى، وللخناثى مع الرجال آخرها، لأن ذلك أليق وأستر. نعم الصلاة على الجنازة صفوفها كلها في الفضيلة سواء إذا اتحد الجنس، لأن تعدد الصفوف فيها مطلوب، والسنة أن يوسطوا الإمام ويكتنفوه من جانبيه، وجهة يمينه أفضل. ويسن سد فرج الصفوف، وأن لا يشرع في صف حتى يتم الأول وأن يفسح لمن يريده، وهذا كله مستحب لا شرط، فلو خالفوا صحت صلاتهم مع الكراهة، وقد تقدم بعض ذلك.
(ويكره وقوف المأموم فردا) عند اتحاد الجنس، أما إذا اختلف كامرأة ولا نساء أو خنثى ولا خناثى فلا كراهة، بل يندب كما علم مما مر. والأصل في ذلك ما رواه البخاري عن أبي بكرة: أنه دخل والنبي (ص) راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك له (ص) فقال: زادك الله حرصا ولا تعد ويؤخذ من ذلك عدم لزوم الإعادة، وما رواه الترمذي وحسنه: أن النبي (ص) رأى رجلا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة حملوه على الندب جمعا بين الدليلين، على أن الشافعي ضعفه، وكان يقول في القديم: لو ثبت قلت به. وفي رواية لأبي داود بسند البخاري: فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ولم يأمره بالإعادة مع أنه أتى ببعض الصلاة منفردا خلف الصف. قال الشارح: ويؤخذ من الكراهة فوات فضيلة الجماعة على قياس ما سيأتي في المقارنة. (بل يدخل الصف إن وجد سعة) قال في الروضة كأصلها:
أو فرجة، وكتب بخطه على الحاشية: الفرجة خلاء ظاهر. والسعة أن لا يكون خلاء ويكون بحيث لو دخل بينهما لوسعه اه. فتعبير المصنف بالسعة أولى من اقتصار غيره على الفرجة، إذ يفهم من السعة الفرجة ولا عكس. وفي الروضة كأصلها: له أن يخرق الصف إذا لم يجد فيه فرجة وكانت في صف قدامه لتقصيرهم بتركها اه. والسعة كالفرجة في ذلك.
وقضية إطلاق المصنف أنه يدخل لما ذكر في أي صف كان، وبه صرح ابن دقيق العيد، ولا يتقيد بصف أو صفين كما