زعمه الأسنوي، ونقله في المهمات عن جمع كثير وعن نصه في الام فإنه التبس عليه مسألة بمسألة، فإن من نقل عنهم إنما فرضوا المسألة في التخطي يوم الجمعة، والتخطي: هو المشي بين القاعدين، والكلام هنا في شق الصفوف وهم قيام، وقد صرح المتولي في التتمة بكونهما مسألتين، والفرق بينهما أن سد الفرجة التي في الصفوف مصلحة عامة له وللقوم بإتمام صلاته وصلاتهم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة كما ورد في الحديث، وأمر (ص) بسد الفرج وقال: إني رأيت الشيطان يدخل بينهما بخلاف ترك التخطي، فإن الإمام يستحب له أن لا يحرم حتى يسوي بين الصفوف. (وإلا) أي وإن لم يجد سعة، (فليجر) ندبا في القيام (شخصا) واحدا من الصف إليه (بعد الاحرام) خروجا من خلاف من قال من العلماء لا تصح صلاته منفردا خلف الصف. قال الزركشي وغيره: وينبغي أن يكون محله إذا جوز أن يوافقه، وإلا فلا جر بل يمتنع لخوف الفتنة. (وليساعده المجرور) ندبا بموافقته لينال فضل المعاونة على البر والتقوى. ولا يجر أحدا من الصف إذا كان اثنين لأنه يصير أحدهما منفردا، ولهذا كان الجر فيما ذكر بعد الاحرام، فإن أمكنه الخرق ليصطف مع الإمام أو كان مكانه يسع أكثر من اثنين، فينبغي كما قال شيخنا أن يخرق في الأولى ويجرهما معا في الثانية.
تنبيه: قد يفهم من قول المصنف: بعد الاحرام أنه لا يجوز قبله، وبه صرح ابن الرفعة لئلا يخرجه عن الصف لا إلى صف. ونص في البويطي على أنه يقف منفردا ولا يجذب أحدا، قال الأذرعي: وهو المختار مذهبا ودليلا، وبسط ذلك. (و) الثاني من شروط الاقتداء: أنه (يشترط علمه) أي المأموم (بانتقالات الإمام) ليتمكن من متابعته، (بأن يراه) المأموم (أو) يرى (بعض صف أو يسمعه أو مبلغا) وإن لم يكن مصليا، وإن كان كلام الشيخ أبي محمد في الفروق يقتضي اشتراط كونه مصليا. ويشترط أن يكون ثقة كما صرح به ابن الأستاذ في شرح الوسيط والشيخ أبو محمد في الفروق، وإن ذكر في المجموع في باب الاذان أن الجمهور قالوا: يقبل خبر الصبي فيما طريقه المشاهدة أو بأن يهديه ثقة إذا كان أعمى أو أصم أو بصيرا في ظلمة أو نحوها. والشرط الثالث من شروط الاقتداء: أن يعدا مجتمعين ليظهر الشعار والتوادد والتعاضد، إذ لو اكتفي بالعلم بالانتقالات فقط كما قاله عطاء لبطل السعي المأمور به والدعاء إلى الجماعة، وكان كل أحد يصلي في سوقه أو بيته بصلاة الإمام في المسجد إذا علم بانتقالاته. ولاجتماعهما أربعة أحوال، لأنهما إما أن يكونا بمسجد أو بغيره في قضاء أو بناء، أو يكون أحدهما بمسجد والآخر بغيره، وقد أخذ في بيانها فقال: (وإذا جمعهما مسجد صح الاقتداء وإن بعدت المسافة) بينهما فيه، (وحالت أبنية) كبئر وسطح ومنارة تنفذ أبوابها، وإن أغلقت فلا بد أن يكون لسطح المسجد باب من المسجد لأنه كله مبني للصلاة، فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها، ولا بد أن يكون التنافذ على العادة كما قاله بعض المتأخرين. واعلم أن التسمير للأبواب يخرجها عن الاجتماع، فإن لم تتنافذ أبوابها إليه أو لم يكن التنافذ على العادة، فلا يعد الجامع بها مسجدا واحدا وإن خالف في ذلك البلقيني فيضر الشباك.
فلو وقف من ورائه بجدار المسجد ضر، ووقع للأسنوي أنه لا يضر، قال الحصني: وهو سهو، والمنقول في الرافعي أنه يضر، أي أخذا من شرطه تنافذ أبنية المسجد وعلو المسجد كسفله، فهما مسجد واحد كما يؤخذ مما مر، وكذا رحبته معه وهي ما كان خارجه محجرا عليه لأجله، قال في أصل الروضة: ولم يفرقوا بين أن يكون بينهما طريق أم لا.
وقال ابن كج: إن انفصلت فكمسجد آخر، واستحسنه في الشرح الصغير. قال الزركشي: وقول المجموع: والمذهب الأول فقد نص الشافعي والأصحاب على صحة الاعتكاف فيها لا حجة فيه، إذ لا نزاع في صحة الاعتكاف فيها، وإنما النزاع في أنه إذا كان بينها وبين المسجد طريق يكونان كمسجد واحد أم لا، والأشبه ما قاله ابن كج، وعليه يحمل إطلاق غيره اه. ومع هذا فالأوجه أنه يأتي في ذلك التفصيل الآتي بين أن يكون قديما فيضر أو حادثا فلا، وسيبين عن قريب.
وتوقف الأسنوي فيما إذا لم يدر أوقفت مسجدا أم لا هل تكون مسجدا لأن الظاهر أن لها حكم متبوعها، أم لا، لأن