إن تغيب أياما) يسكن فيها غيظ المستحق بخلاف ما لا يقبله كحد الزنا، وكذا ما يقبل إذا لم يرج الترك لو تغيب، وقد خرج ذلك بقوله: يرجى تركها. واستشكل الإمام جواز التغيب لمن عليه قصاص، فإن موجبه كبيرة والتخفيف ينافيه. وأجاب بأن العفو مندوب إليه والتغيب طريقه، قال الأذرعي: والاشكال أقوى.
تنبيه: قال بعضهم: يستفاد من تقييد الشيخين رجاء العفو بتغيبه أياما أن القصاص لو كان لصبي لم يجز التغيب لأن العفو إنما يكون بعد البلوغ، فيؤدي إلى أن يترك الجمعة سنين. وقال الأذرعي: قولهما أيام لم أره إلا في كلامهما، والشافعي والأصحاب أطلقوا، ويظهر الضبط بأنه ما دام يرجو العفو يجوز له التغيب، فإن يئس أو غلب على ظنه عدم العفو حرم التغيب اه. وهذا هو الظاهر، ولذلك ترك ابن المقري هذا التقييد. (وعري) وإن وجد ما يستر عورته لأن عليه مشقة في خروجه بغير لباس يليق به، كذا علله في المجموع. ويؤخذ منه أن من اعتاد الخروج مع ستر العورة فقط أنه لا يكون معذورا عند فقد الزائد عليه وهو كذلك، وأن من وجد ما لا يليق به كالقباء للفقيه كالمعدوم، قال في المهمات: وبه صرح بعضهم. (وتأهب لسفر) مباح يريده (مع رفقة ترحل) ويخاف من التخلف للجماعة على نفسه أو ماله أو يستوحش فقط للمشقة في التخلف عنهم، (وأكل ذي ريح كريه) كبصل أو فجل أو ثوم أو كراث نئ، لخبر الصحيحين: من أكل بصلا أو ثوما أو كراثا فلا يقربن مسجدنا وفي رواية المساجد، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، زاد البخاري. قال جابر: ما أراه إلا نيئة، وزاد الطبراني: أو فجلا. هذا إن تعسر زوال ريحه بغسل ومعالجة بخلاف ما إذا لم يتعسر، أما المطبوخ فلا يعذر به كما صرح به في المحرر لزوال ريحه. وكأن المصنف استغنى عن التصريح به بقوله كريه ولو ذكره لكان أوضح وأحسن إذ لا بد فيه من رائحة كريهة لكنها اغتفرت لقلتها. ويؤخذ مما ذكر أنه يعذر بالبخر والصنان المستحكم بطريق الأولى، قاله في المهمات. وتوقف في الجذام والبرص، والمتجه كما قال الزركشي أنه يعذر بهما لأن التأذي بهما أشد منه بأكل الثوم ونحوه، قال: وقد نقل القاضي عياض عن العلماء أن المجذوم والأبرص يمنعان من المسجد ومن صلاة الجماعة ومن اختلاطهما بالناس ودخول المسجد للذي أكل ما سبق مكروه كما في آخر شروط الصلاة من الروضة، خلافا لما صرح به ابن المنذر وأشار إليه غيره من التحريم. وصرح ابن حبان في صحيحه بأن المعذور بأكل هذه الأشياء للتداوي يعذر في الحضور، وإطلاق الحديث: وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق بين المعذور وغيره، والمعنى وهو التأذي يدل عليه وهذا هو الظاهر. (وحضور) نحو (قريب) كزوجة ورقيق وصديق وصهر (محتضر) أي حضره الموت وإن كان له متعهد، لما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه ترك الجمعة وحضر عند قريبه سعيد بن زيد أحد العشرة لما أخبر أن الموت قد نزل به، ولأنه يتألم بغيبته عنه أكثر مما يتألم بذهاب المال. وألحق المحب الطبري بمن ذكر الأستاذ، وقال الأسنوي: ويتجه إلى إلحاق العتيق والمعتق بهم أيضا. (أو) حضور (مريض بلا متعهد) له لئلا يضيع، سواء أكان قريبا أم أجنبيا إذا خاف هلاكه إن غاب عنه، وكذا لو خاف عليه ضررا ظاهرا على الأصح. (أو يأنس) القريب أو نحوه كما في المحرر، (به) وإن اقتضت عبارته أن الانس عذر في القريب والأجنبي، ولو قال: وحضور قريب محتضر أو كان يأنس به أو مريض بلا متعهد لكان أولى. وقال الشارح: إن قوله أو مريض عطف على محتضر فيفوت الأجنبي الذي لا متعهد له مع أنه يعذر لأجله، ولو كان المتعهد مشتغلا بشراء الأدوية مثلا عن الخدمة، فكما لو لم يكن متعهد.
تتمة: بقي من الاعذار السمن المفرط كما ذكره ابن حبان في صحيحه وروى فيه خبرا، وكونه منها كما نقل عن الذخائر، وزفاف زوجة في الصلوات الليلية كما سيأتي إن شاء الله تعالى في القسم، وغلبة النعاس والنوم إن انتظر الجماعة، والبحث عن ضالة يرجوها، والسعي في استرداد مغصوب له أو لغيره. قال الأسنوي: وإنما يتجه جعل هذه الأمور أعذارا لمن لا يتأتى له إقامة الجماعة في بيته وإلا لم يسقط عنه طلبها لكراهة الانفراد للرجل، وإن قلنا إنها سنة. قال في المجموع ومعنى كونها أعذارا سقوط الاثم على قول الفرض، والكراهة على قول السنة، لا حصول فضلها. ويوافقه جواب الجمهور