عن واثلة بن الأسقع: أنه سأل النبي (ص) عن الورع، قال: الذي يقف عند الشبهات. والثاني: يقدم الأورع على الأفقه، إذ مقصود الصلاة الخشوع ورجاء إجابة الدعاء والأورع أقرب، قال تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *، وفي الحديث: ملاك الدين الورع. وأما ما يخاف من حدوثه في الصلاة فأمر نادر فلا يفوت المحقق للمتوهم. وأما الزهد فهو ترك ما زاد على الحاجة، وهو أعلى من الورع، إذ هو في الحلال والورع في الشبهة. قال في المهمات: ولم يذكروه في المرجحات، واعتباره ظاهر، حتى إذا اشتركا في الورع وامتاز أحدهما بالزهد قدمناه اه.
تنبيه: لا يؤخذ من كلام المصنف معرفة المقدم من الأقرأ والأورع، وحكمه تقديم الأقرأ كما قاله في الروضة عن الجمهور. (ويقدم الأفقه والأقرأ على الاسن النسيب) فعلى أحدهما من باب أولى، لأن الفقه والقراءة مختصان بالصلاة لأن القراءة من شروطها، والفقه لمعرفة أحكامها، وباقي الصفات لا يختص بالصلاة، ويقدم الأورع أيضا عليهما لأنه أكرم عند الله.
فرع: لو كان الأفقه أو الأقرأ أو الأورع صبيا أو مسافرا قاصرا أو فاسقا أو ولد زنا أو مجهول الأب فضده أولى، وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك، نعم إن كان المسافر السلطان أو نائبه فهو أحق. وأطلق جماعة أن إمامة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه مكروهة، وصورته أن يكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم يساوه المأموم، فإن ساواه أو وجده قد أحرم واقتدى به فلا بأس. (والجديد تقديم الاسن على النسيب) لخبر الصحيحين عن مالك بن الحويرث: ليؤمكم أكبركم ولان فضيلة الاسن في ذاته والنسيب في آبائه، وفضيلة الذات أولى. والعبرة بالاسن في الاسلام لا للأكبر بالسن، فيقدم شاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم، فإن أسلما معا فالشيخ مقدم لعموم خبر مالك. قال البغوي: ويقدم من أسلم بنفسه على من أسلم تبعا لاحد أبويه وإن تأخر إسلامه لأنه اكتسب الفضل بنفسه. قال ابن الرفعة: وهو ظاهر إذا كان إسلامه قبل بلوغ من أسلم تبعا، أما بعده فيظهر تقديم التابع، ولو قيل بتساويهما حينئذ لم يبعد. والمراد بالنسيب من ينتسب إلى قريش أو غيرهم ممن يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء، فيقدم الهاشمي والمطلبي ثم سائر قريش، ثم العربي ثم العجمي، ويقدم ابن العالم والصالح على ابن غيره.
تنبيه: لم يتعرض المصنف للهجرة، وهي إلى رسول الله (ص) أو إلى دار الاسلام بعده من دار الحرب، والذي في التحقيق واختاره في المجموع، أي وهو المعتمد، تقديمها على الاسن والنسيب، لخبر مسلم عن أبي مسعود البدري: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا. وفي رواية سلمان: ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه. وتأخيرها عن الأورع كما جرى عليه شيخنا في منهجه. وفي الروضة وأصلها عن الشيخ أبي حامد وجماعة تأخيرها عن السن والنسب. وقياس ما مر من تقديم من أسلم بنفسه على من أسلم تبعا تقديم من هاجر بنفسه على من هاجر أحد آبائه وإن تأخرت هجرته. ويعلم من ذلك أن المنتسب إلى من هاجر مقدم على من أنتسب لقريش مثلا. (فإن استويا) أي الشخصان في الصفات المعتبرة، (فبنظافة الثوب والبدن) من الأوساخ، (وحسن الصوت وطيب الصنعة ونحوها) من الفضائل كحسن وجه وسمت وذكر بين الناس لأنها تفضي إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع.
تنبيه: لا يعلم من كلام المصنف ترتيب في ذلك، والذي في الروضة كأصلها عن المتولي وجزم به الرافعي في الشرح الصغير - أي وهو المعتمد - أنه يقدم بالنظافة ثم بحسن الصوت ثم بحسن الصورة، وفي التحقيق: فإن استويا قدم بحسن الذكر ثم بنظافة الثوب والبدن وطيب الصنعة وحسن الصوت ثم الوجه، وفي المجموع: تقديم أحسنهم ذكرا ثم صوتا ثم هيئة، فإن استويا وتشاحا أقرع بينهما. والمراد بطيب الصنعة: الكسب الفاضل. ولا يحمل قول