الشهادة عليهم والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء القوم. فإن قيل: الأنبياء والمرسلون أفضل من الشهداء مع أنه يصلى عليهم. أجيب بأن الشهادة فضيلة تكتسب فرغب فيها ولا كذلك النبوة والرسالة. (وهو) أي الشهيد الذي يحرم عليه غسله والصلاة عليه، ضابطه أن كل (من مات) ولو امرأة أو رقيقا أو صغيرا أو مجنونا (في قتال الكفار) أو الكافر الواحد، سواء أكانوا حربيين أم مرتدين أم أهل ذمة قصدوا قطع الطريق علينا أو نحو ذلك (بسببه) أي القتال، سواء قتله كافر، أم أصابه سلاح مسلم خطأ، أم عاد إليه سلاحه، أم تردى في بئر أو وهدة، أم رفسته دابته فمات، أم قتله مسلم باغ استعان به أهل الحرب كما شمله قتال الكفار، أم قتله بعض أهل الحرب حال انهزامهم انهزاما كليا بأن تبعهم فكروا عليه فقتلوه وإن لم تشمله عبارة المصنف أو اتباعه لهم لاستئصالهم، فكأنه قتل في حال القتال، أم قتله الكفار صبرا، أم انكشفت الحرب عنه ولم يعلم سبب قتله وإن لم يكن عليه أثر دم، لأن الظاهر أن موته بسبب القتال كما جزما به. فإن قيل: ينبغي أن يخرج ذلك على قول الأصل والغالب، إذ الأصل عدم الشهادة، والغالب أن من يموت بالمعترك أنه مات بسبب من أسباب القتال. أجيب بأن السبب الظاهر يعمل به ويترك الأصل كما إذا رأينا ظبية تبول في الماء ورأيناه متغيرا فإنا نحكم بنجاسته مع أن الأصل طهارة الماء. (فإن مات بعد انقضائه) أي القتال بجراحة فيه يقطع بموته منها وفيه حياة مستقرة فغير شهيد في الأظهر، سواء أطال الزمان أم قصر، لأنه عاش بعد انقضاء الحرب فأشبه ما لو مات بسبب آخر، والثاني: أنه يلحق بالميت في القتال. أما لو انقضى القتال و حركة المجروح فيه حركة مذبوح فشهيد قطعا أو توقعت حياته فليس بشهيد قطعا. (أو) مات عادل (في قتال البغاة) له (فغير شهيد في الأظهر) لأنه قتيل مسلم، فأشبه المقتول في غير القتال، وقد غسلت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما ولم ينكر عليها أحد. نعم لو استعان البغاة بكفار فقتل كافر مسلما فهو شهيد كما قاله القفال في فتاويه، والثاني وصححه السبكي: أنه شهيد لأنه كالمقتول في معركة الكفار، ولان عليا رضي الله تعالى عنه لم يغسل من قتل معه. أما إذا كان المقتول من أهل البغي فليس بشهيد جزما، فقوله في الأظهر راجع للمسألتين كما تقرر. (وكذا) لو مات (في القتال لا بسببه) أي القتال، كموته بمرض أو فجأة أو قتله مسلم عمدا فغير شهيد، (على المذهب) لأن الأصل وجوب الغسل والصلاة عليه، خالفنا فيما إذا مات بسبب من أسباب القتال ترغيبا للناس فيه، فبقي ما عداه على الأصل.
وقيل إنه شهيد لأنه مات في معركة الكفار.
فائدة: الشهداء كما قال في المجموع ثلاثة: الأول: شهيد في حكم الدنيا بمعنى أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وفي حكم الآخرة بمعنى أن له ثوابا خاصا، وهو من قتل في قتال الكفار بسببه وقد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وسمي بذلك لمعان: منها أن الله سبحانه وتعالى ورسوله شهدا له بالجنة، ومنها أنه يبعث وله شاهد بقتله وهو دمه لأنه يبعث وجرحه يتفجر دما، ومنها أن ملائكة الرحمة يشهدونه فيقبضون روحه. والثاني: شهيد في حكم الدنيا فقط، وهو من قتل في قتال الكفار بسببه، وقد غل من الغنيمة، أو قتل مدبرا، أو قاتل رياء أو نحوه. والثالث: شهيد في حكم الآخرة فقط كالمقتول ظلما من غير قتال، والمبطون إذا مات بالبطن، والمطعون إذا مات بالطاعون، والغريق إذا مات بالغرق، والغريب إذا مات في الغربة، وطالب العلم إذا مات على طلبه، أو مات عشقا أو بالطلق أو بدار الحرب أو نحو ذلك. واستثنى بعضهم من الغريب العاصي بغربته كالآبق والناشزة، ومن الغريق العاصي بركوبه البحر كأن كان الغالب فيه عدم السلامة أو استوى الأمران أو ركبه لشرب خمر، ومن الميتة بالطلق الحامل بزنا، والظاهر كما قال الزركشي فيما عدا الأخيرة، وفي الأخيرة أيضا أن ما ذكر لا يمنع الشهادة. نعم الميت عشقا شرطه العفة والكتمان لخبر: من عشق وعف وكتم فمات مات شهيدا، وإن كان الأصح وقفه على ابن عباس. قال شيخنا: ويجب أن يراد به من يتصور إباحة نكاحها له شرعا ويتعذر الوصول إليها كزوجة الملك، وإلا فعشق المرد معصية، فكيف تحصل بها درجة الشهادة اه. والظاهر أنه لا فرق