وقال قوم: قدرها ثلاث رضعات فما فوقها فأما أقل منها فلا ينشر الحرمة، ذهب إليه زيد بن ثابت في الصحابة، وإليه ذهب أبو ثور وأهل الظاهر.
وقال قوم: إن الرضعة الواحدة أو المصة الواحدة حتى لو كان قطرة تنشر الحرمة، ذهب إليه على ما رووه علي عليه السلام وابن عمر وابن عباس، وبه قال في الفقهاء مالك والأوزاعي والليث بن سعد والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: أن الأصل عدم التحريم، وما ذكرناه مجمع على أنه يحرم، وما قالوه ليس عليه دليل، وأيضا عليه إجماع الفرقة إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بقوله.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الرضاعة من المجاعة، يعني ما سد الجوع، وقال صلى الله عليه وآله: الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم.
وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان.
وروي عن عائشة أنها قالت: كان مما أنزل الله في القرآن أن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وهي مما تقرأ في القرآن، ووجه الدلالة أنها أخبرت أن عشر رضعات كان فيما أنزله، وقولها: ثم نسخن بخمس رضعات " قولها "، ولا خلاف أنه لا يقبل قول الراوي " أنه نسخ كذا لكذا " إلا أن يبين ما نسخه لينظر فيه هل هو نسخ أم لا؟
مسألة 4: الرضاع إنما ينشر الحرمة إذا كان المولود صغيرا فأما إن كان كبيرا فلو ارتضع المدة الطويلة لم ينشر الحرمة، وبه قال عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وابن مسعود، وهو قول جميع الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك وغيرهم.