قتل الخطأ يوجب المال بغير خلاف دون القود، فكأنما الميت خلف مالا أو استحق بسببه مال فيقضي به دينه، وأما قتل العمد المحض فإنه يوجب القود دون المال فكان الميت ما خلف مالا ولا يستحق بسببه مال، فإن عفت الورثة واصطلح القاتل والورثة على مال فإنهم استحقوه بفعلهم وعفوهم، وفي قتل الخطأ ما استحقوه بعفوهم بل بسبب الميت لأنهم لا يستحقون غيره، وفي قتل العمد المحض استحقوا القود دون المال، فمن أبطله عليهم ودفعه عنهم فقد أبطل سلطانهم الذي جعله الله لهم وخالف ظاهر التنزيل، وأبطل القود إذا لم يؤدوا إلى صاحب الدين الدية وأسقطوا اللطف الذي هو الزجر في قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة، لأن م ن علم أنه يقتل إذا قتل كف عن القتل فيحيي هو ومن يريد أن يقتله، وأيضا فصاحب الدين لا يستحق إلا ما يخلف الميت من الأموال وكان مملوكا له في حياته، أو مالا مستحقا بسببه على ما قلناه في قتل الخطأ لأجل الاجماع والأخبار على قتل الخطأ لأن موجبه المال، وقتل العمد المحض لا مال ولا موجبه المال، فمن أين يستحق صاحب الدين المال ويمنع من القود حتى يأخذ المال؟
وقد أورد شيخنا أبو جعفر في تهذيب الأحكام خبرا فحسب في هذا المعنى في باب الديون وأحكامها، وهو: الصفار عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن عبد الحميد بن سعيد قال:
سألت أبا الحسن الرضا ع عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا فأخذ أهله الدية من قاتله أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم، قال قلت: وهو لم يترك شيئا، قال ع:
إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا عنه الدين.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وليس في هذا الحديث إذا تلقى بالقبول وسلم ما ينافي ما قلناه لأنه ما قال: قتل عمدا محضا، وإنما قال: أخذ أهله الدية، وهذا يدل على أن القتل كان موجبه الدية دون القود لأن أهله لا يأخذون الدية بنفس القتل إلا في قتل الخطأ وقتل العمد شبيه الخطأ، فالخبر دليل لنا لا علينا.
فإن قيل: قد قال في الخبر: فأخذ أهله الدية من قاتله ولو كان القتل خطأ محضا ما أخذوا الدية من قاتله بل كانوا يأخذونها من عاقلته دونه بغير خلاف.