ذكرناه وينبه على ما حررناه، ولو كان ما روي صحيحا لورد ورود أمثاله متواترا، والصحابة والتابعون والمسلمون في جميع الأعصار يتحاكمون إلى الحكام في الحرم ويطالبون الغرماء بالديون ويحبس الحاكم على الامتناع من الأداء إلى عصرنا هذا من غير تناكر بينهم في ذلك وإجماع المسلمين على خلاف ذلك ووفاق ما اخترناه وحررناه، وهذا معلوم ضرورة أو كالضرورة فلا يرجع عن الأمور المعلومة بأخبار ضعيفة أكثر ما تثمر الظن دون اليقين والعلم، ولا يورد ذلك في كتابه إلا الآحاد من أصحابنا ولا إجماع عليه منهم والأصل الإباحة والحظر يحتاج إلى دليل، والإنسان مسلط على أخذ ماله والمطالبة به عقلا وشرعا.
ومن كان عليه دين وجب عليه السعي في قضائه والعزم على أدائه وترك الإسراف في النفقة، وينبغي له أن يتقنع بالقصد، ولا يجب عليه أن يضيق على نفسه بل يكون بين ذلك قواما، ويجب عليه عند مطالبة من له الحق دفع جميع ما يملكه إليه ما خلا داره التي يسكنها إذا كانت قدر كفاية سكناه وخادمه الذي يحتاج إلى خدمته وقوت يومه وليلته فحسب، وما فضل عن ذلك فيجب دفعه إلى من له عليه الدين عند المطالبة.
باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت:
كل من كان عليه دين وجب عليه قضاؤه حسب ما يجب عليه، فإن كان حالا وجب عليه قضاؤه عند المطالبة في الحال إذا كان قادرا على أدائه لا يجوز له تأخيره بعد المطالبة له، فإن كان في أول وقت الصلاة وصلى بعد المطالبة فإن صلاته غير صحيحة، لأن قضاء الدين بعد المطالبة واجب مضيق وأداء الصلاة في أول وقتها واجب موسع، وكل شئ منع من الواجب المضيق فهو قبيح بغير خلاف من محصل. وإن كان الدين مؤجلا وجب عليه قضاؤه عند حلول الأجل مع المطالبة.
ومن وجب عليه أداء الدين لا يجوز له مطله ودفعه مع قدرته على قضائه، فقد قال الرسول ع: مطل الغني ظلم، فإن مطل ودفع كان على الحاكم حبسه بعد إقامة البينة بالحق وسؤال الخصم ذلك وإلزامه الخروج مما وجب عليه، فإن حبسه ثم ظهر له