لطرح الآخر رأسا، وكيف يطرح الآخر مع أن بعض مضمونه لا معارض له، والسند لا يبعض بتبعيض بأن يؤخذ بالسند بالنسبة إلى بعض المضمون دون بعض، إلا أن يقال بعد شمول الأخبار العلاجية لكل متعارضين لا مانع من طرح أحد الخبرين رأسا ولو كان بعض مضمونه بلا معارض لكنه معارض بالعرض، لأن ما يلازم المعارض معارض، وعلى هذا فلا بأس بجعل العمومات والاطلاقات مرجحا فإنه أخذ بموافق السنة، وإن لم نقل بذلك فالمرجع هو الأصل.
ثم المراد من الدرهم ليس هو الدرهم الاسلامي الذي حدد وزنه بستة دوانيق فإن الأصحاب بين ما قيده بالوافي وبين من قيده بالبغلي، ولا يبعد اتحادهما وقد حدد الوافي بدرهم وثلث، وعن الشهيد في الذكرى أنه قال: إن الدرهم الوافي هو البغلي - باسكان الغين - منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية وزنه ثمانين دوانيق، وكيف كان بعد ما كان النظر إلى سعة الدرهم لا الوزن ولا الحجم لا بد من تعيين السعة، وقد اختلف كلماتهم فاللازم الأخذ بالقدر المتيقن وربما يلزم الاحتياط في الزائد عليه نظرا إلى التمسك بالعموم إذا شك في المخصص بالشبهة المفهومية، وإن كان الدم متفرقا فقد اختلفوا فيه على أقوال، فقيل: هو عفو فيلاحظ كل جزء جزء في حد ذاته موضوعا مستقلا، وقيل: تجب إزالته كالمجتمع، وقيل: لا تجب إزالته إلا أن يتفاحش، واستدل للقول الأول بمرسلة جميل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: (لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه المنضح وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم) (1) وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس قلت: إنه يكثر ويتفاحش؟ قال: وإن كثر قلت: فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته؟ قال:
(يغسله و [لا] يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (2)