إن هذا الصراع لم يكن فرديا أو شخصيا، وإنما شاركت فيه فئات واسعة من المجتمع. كما أن الأسلحة المستخدمة فيه لم تكن السيف فقط. فالشيعة كانت لهم عقيدة قائمة على نصوص دينية من قرآن وسنة، مدعومة بوقائع تاريخية في فجر الإسلام. شكلت ترسانة قوية وصعبة لا يمكن القضاء عليها بالسيف.
لذلك فقد واكب الصراع المسلح، صراع آخر فكري، فبنوا أمية وضعوا الأحاديث والتفسيرات التي تدعم الخلافة أولا، وتنفي فكرة الإمامة الشيعية ثانيا. كم هائل من الروايات والتعليقات وأقوال الصحابة والتابعين، كلها تصب في خانة التشكيك في عقيدة الإمامة. لكن عصر بني أمية تميز بالحسم العسكري واستخدام الإرهاب والقتل. فالحجاج بن يوسف الثقفي مجرم بني أمية لم يكن يناقش الشيعة في صحة عقيدتهم، بل كان يعرض على السيف مباشرة من وشي إليه به، أنه يوالي عليا أو من أصحاب أئمة أهل البيت.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأئمة بعد الإمام علي، لم يكفوا عن الدعوة لإمامتهم وعرض الأدلة على صحة مطلبهم من القرآن والسنة، ووقائع الدعوة الإسلامية في فجر الإسلام وعلى عهد الرسول. لذلك فقد تكون للشيعة مذهب متكامل ومنسق في الإمامة مدعوم بالأدلة النقلية والعقلية.
لذلك ستنطلق مع الدولة العباسية الاستفادة من التراث الذي صنعه بنو أمية في صراعهم مع الشيعة، سيتم معالجة هذا التراث والزيادة عليه وتنقيحه وترتيب أبوابه، مواكبة للتطور العلمي الذي عرفته الفترة. فظهرت للوجود مذاهب عقائدية وفكرية، كان الغرض منها أولا وأخيرا، الوقوف في وجه الفكر الشيعي الإمامي ودحض حججه، والحؤول بينه وبين الانتشار والسيطرة على عقول الجماهير. وبذلك اكتملت وقائع الحرب بين الخلفاء والشيعة.
فالثوار يواجهون بالسيف والتنكيل والقتل. أما الأئمة الذين ظلوا بعيدين عن الحرب، يمارسون التدريس وتعليم شيعتهم عقائد الإمامة ومبادئ الإسلام