التذلل، والعبادة أبلغ منها، لأنها غاية التذلل "، ويعرفها الفيروزآبادي ب (الطاعة). لكن جميع هذه التعارف ما هي إلا نوع من التعريف بالمعنى الأعم لأن الطاعة الخضوع وإظهار التذلل ليست - على وجه الإطلاق - عبادة، لأن خضوع الولد أمام والده، والتلميذ أمام أستاذه والجندي أمام قائده لا يعد عبادة مطلقا مهما بالغوا في الخضوع والتذلل (50). وهنا آيات متعددة تصف هذا الخضوع ولا تعتبره عبادة. مثل * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * (البقرة، الآية 34) فكان سجودهم له تعظيما وتكريما. ولم يكن عبادة له أو جعله شريكا لله.
وقوله تعالى في قصة يوسف: " ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) * (يوسف، الآية 100).
وكذا تذلل المؤمنين لبعضهم البعض. وعليه فلا يكون الخضوع ضعيفه وشديده عبادة إلا إذا دخل فيه عنصر قلبي خاص يميزه عن مماثلاته ومشابهاته، وهذا العنصر عبارة عن أحد الأمور التالية:
1 - الإعتقاد بألوهية المعبود.
2 - الإعتقاد بربوبيته.
3 - الإعتقاد باستقلاله في الفعل من دون أن يستعين بمعين أو يعتمد على معاضد (51).
ويتضح من ذلك أن مقوم العبادة ليس العمل أو الفعل الظاهري، ولكن الاعتقاد القلبي الباطني. فالمشركون على عهد الرسول وقبله كان منهم من يعتقد بألوهية معبوده كأحد الآلهة الصغيرة إلى جنب الإله الكبير. لذلك قال " المشركون للرسول كما حكى عنهم القرآن * (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا