العصور. وقد استمر وجودهم بها بعد الفتح الإسلامي بالإضافة إلى الوجود المسيحي لقربها من مدينة الرها ذات الأغلبية النصرانية. حيث ولد هرقل إمبراطور الروم.
تقع هذه المدينة في صحراء الجزيرة بين دجلة والفرات زارها الرحالة ابن جبير سنة (580 ه) فوصف أجواءها وطبيعتها بعبارته المسجوعة. فقال: بلد لا حسن لديه، ولا ظل يتوسط برديه (6) فلا يألف البرد ماؤه، ولا تزال تتقد بلفح الهجير ساحاته وأرجاؤه ولا تجد فيها مقيلا، ولا تتنفس فيها إلا نفسا ثقيلا، قد نبذ بالعراء. ووضع في وسط الصحراء، فعدم رونق الحضارة وتعرت أعطافه من ملابس النضارة (7).
وإذا كانت الصراعات السياسية والمذهبية قد أوجدت لها مناطق نفوذ جغرافية عرفت عبر تاريخ الإسلام، حتى أضحت من مسلمات التاريخ. فإن منطقة حران قد إشتهرت بولائها الشديد لبني أمية، وتوارث أبناؤها هذا الولاء جيلا بعد جيل، إلى عصر ابن تيمية. هذا الولاء الذي تترجمه حادثة تاريخية مهمة وعميقة ذلك عندما أمر عمر بن عبد العزيز بوقف لعن الإمام علي بن أبي طالب على المنابر، فقد ساء أهالي حران هذا المنع وقالوا: " لا صلاة إلا بلعن أبي تراب " (8).
وأما مذاهب أهلها فمنذ أن تقسم الناس على المذاهب كانت حران موطن الحنابلة لا ينازعهم فيها أحد. وتخرج منها علماء كثيرون فقهاء ومحدثون لا