من بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد بن عبادة، وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض، قال: فلما اجتمعوا قال لابنه أو لبعض بني عمه: إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي، ولكن تلق مني قولي فأسمعهم، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرتفع به صوته ويسمع به أصحابه، فقال بعد أن حمد الله وأنثى عليه: يا معشر الأنصار!
إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان فما آمن به قومه إلا رجال قليل، والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به، حتى إذا أراد بكم ربكم الفضيلة، وساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، ورزقكم الإيمان به وبرسوله والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه، وكنتم أشد الناس على عدوه منهم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا، وحتى أثخن الله لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله إليه وهو عنكم راض، وبكم قرير عين، استبدوا بهذا الأمر دون الناس فإنه لكم دون الناس... فأجابوه بأجمعهم بأن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدوا ما رأيت، نوليك هذا الأمر، فإنك فينا متبع ولصالح المؤمنين رضا.
ثم إنهم ترادوا الكلام، فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش، فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه.. فعلام تنازعوننا الأمر من بعده؟!
فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا: منا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا أبدا، فقال سعد بن عبادة حين سمعها: هذا أول الوهن.