والعجب من القوم، إذ كان اللازم عليهم رعاية حرمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاشتغال بتجهيزه وتدفينه وإقامة المأتم على فقده.. لا أن يشتغلوا بمؤامرات ويحوكوا الحيل - وبكل وسيلة - لغصب الخلافة.. وإليك بعض الآثار في ذلك، وهي كثيرة جدا:
منها: ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " عقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك.. وأنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغول، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها فكان هذا أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية وفاجع المصيبة وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى فصبرت عليها " (1).
ومنها: ما قال (عليه السلام) في جواب القوم: " أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسجى لا أواريه وأخرج أنازع سلطانه؟! " (2).
ومنها: ما قالت السيدة فاطمة (عليها السلام): " ما رأيت كاليوم قط.. حضروا أسوأ محضر، وتركوا نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أظهرنا، واستبدوا بالأمر دوننا " (3).
ومنها: ما قاله مولانا الإمام أبو جعفر (عليه السلام): " فصلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء، حتى صلى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة، وكان علي (عليه السلام) أنفذ إليهم بريدة، وإنما تمت بيعتهم بعد دفنه " (4).