وصفت... ولكنا نشفق مما بعد اليوم، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فلو جعلتم اليوم رجلا منا ورجلا منكم بايعنا ورضينا، على أنه إذا هلك اخترنا آخر من الأنصار، فإذا هلك اخترنا آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة، كان ذلك أجدر أن يعدل في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن يكون بعضنا يتبع بعضا، فيشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري، ويشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشي.
فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الأنصار! املكوا عليكم أمركم فإن الناس في ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر أحد إلا عن رأيكم، أنتم أهل العزة والمنعة، وأولو العدد والكثرة، وذوو البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم، فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولا تمنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة منهم، لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا، والسلطان المبين على من نازعنا، من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في الهلكة..!؟
فقام الحباب بن المنذر - ثانية - فقال: يا معشر الأنصار! أمسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا الجاهل وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، وإن أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أحق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها، وإنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، والله لئن رد أحد قولي لأحطمن أنفه بالسيف..