أبا عبيدة!... امض إلى علي... وقل له:... ما هذا الذي تسول لك نفسك، ويدوي به قلبك، ويلتوي عليه رأيك، ويتخاوص دونه طرفك، ويستشري به ضغنك، ويتراد معه نفسك، وتكثر لأجله صعداؤك، ولا يفيض به لسانك؟ أعجمة بعد إفصاح، ألبسا بعد إيضاح؟... ما هذه القعقة بالشنآن، والوعوعة باللسان؟..
قال أبو عبيدة: فلما تهيأت للنهوض قال لي عمر: كن على الباب هنيئة فلي معك ذرو من الكلام.. فوقفت وما أدري ما كان بعدي إلا أنه لحقني بوجه يندى تهللا وقال لي: قل لعلي:... ما هذه الخنزوانة التي في فراش رأسك؟! وما هذا الشجا المعترض في مدارج أنفاسك؟ وما هذه الوحرة التي أكلت شراسيفك، والقذاة التي أعشت ناظرك؟! وما هذا الدحس والدس، اللذان يدلان على ضيق الباع وخور الطباع؟! وما هذا الذي لبست بسببه جلد النمر واشتملت عليه بالشحناء والنكر؟!
لشد ما استسعيت لها وسريت سرى ابن أنقد إليها..
لسنا في كسروية كسرى ولا قيصرية قيصر..
أتظن ظنا أن أبا بكر وثب على هذا الأمر مفتانا على الأمة خادعا لها ومتسلطا عليها؟ أتراه امتلخ أحلامها، وأزاغ أبصارها، وحل عقودها، وأحال عقولها، واستل من صدورها حميتها وانتكث رشاءها، وانتضب ماءها؟...
وإنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوة، ومعدن الرسالة، وكهف الحكمة، ولا يجحد حقك فيما آتاك ربك من العلم ومنحك من الفقه في الدين..
هذا إلى مزايا خصصت بها، وفضائل اشتملت عليها، ولكن لك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك، وقربى أمس من قرباك، وسن أعلى من سنك، وشيبة أروع من شيبتك.. فادخل فيما هو خير لك اليوم وأنفع غدا، والفظ من فيك ما هو متعلق بلهاتك، وانفث سخيمة صدرك..