شخصيا كان أو نوعيا، ومن هنا أصبح موقف الإسلام من التقية موقف المؤيد والمساند لا المؤصل والمشرع، وما جاء في القرآن الكريم والسنة الثابتة بشأن التقية إنما هو إمضاء لها لأنها من شرع ما قبلنا كما يفهم من تقية إبراهيم ويوسف عليهما السلام، ومن تقية أصحاب الكهف ومؤمن آل فرعون.
وبما أن تاريخ التقية ضارب بجذوره في أعماق الأديان قبل الإسلام، كما حكاه لنا القرآن الكريم في أكثر من آية، سيكون إلصاقها بمذهب معين - كما يحب إشاعته البعض - من الجهل بحقيقة ذلك المفهوم والتخبط الأعمى في تحديد تاريخه.
ومن هنا أصبح الدفاع عن التقية ليس دفاعا عن مذهب، ولا دفاعا عن تشريع إسلامي، وإنما هو دفاع عن موقف الإسلام - قرآنا وسنة - في تبنيه وإمضائه وتأييده لهذا المفهوم، بل هو في الواقع دفاع عن الفطرة والعقل السليم.
والكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ، حاول استجلاء أبعاد التقية كلها بدراسة علمية مقارنة استطاع من خلالها أن يضع التقية في مكانها الصحيح بين معارف الإسلام، ويشخص موقعها من الفكر الديني بدقة، مستهديا بالقرآن الكريم أولا، وبالسنة المطهرة ثانيا، مبينا تاريخها وأدلتها وأقسامها وشروطها وفوائدها والفرق بينها وبين النفاق مع الكثير من صورها القولية والفعلية عند مذاهب المسلمين وقادتهم من الصحابة والتابعين، وغير ذلك من الأمور التي لا غنى عنها في هذا المجال.
وإذ يسر مركز الرسالة أن يقدم لقرائه الأعزاء هذا الكتاب المتسم بمراعاة المنهج العلمي الدقيق باعتماد الدليل المعتبر وتحليل النصوص ونقدها بمنطق العقل والعلم، يأمل أن يسد في إصداره هذا جميع الثغرات المفتعلة بشأن التقية، وأن يغلق منافذ التشكيك حولها بعد أن تمهدت سائر السبل الناصعة في طياته لفهم التقية فهما إسلاميا أصيلا بعيدا عن التأويلات والمغالطات.
سائلين المولى عز وجل أن يسدد خطانا لخدمة دينه الحنيف، ويمنحنا القوة على مواصلة العطاء الفكري النافع، إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين مركز الرسالة