مع المقادير.. ترى من كان يعني.. ومن كان ينعي..؟؟ أكان يعني قرة عينه الحسين ومن معه من إخوة له وأبناء..؟؟ أكان يعني أولئك الأبطال الذين ستشهد هذه الأرض ذاتها استشهادهم الرهيب والمهيب بعد عشرين عاما لا غير من هذه النبوءة الصادقة..؟؟ ربما... وربما لم يكن إلهامه ولم تكن بصيرته يومئذ معلقين بواحد بذاته من أهل بيته المباركين. فهو على أية حال يدرك أن المعركة التي بدأها من أجل الحق لن تنتهي.. ويدرك أنه لن يصبر أحد من بعده على لأوائها وضراوتها مثلما سيصبر أبناؤه الذين ورثوا البطولة كابرا عن كابر..! وحين يحتدم في البصائر النقية ولاؤها لحق مقدس. أو لمبدأ جليل، فإن هذا الاحتدام يتلقى في لحظة إشراق روحي مددا من الرؤية غير منظور، يكشف الغيب ويجذب إلى دائرة الاستشراف أحداث الزمن البعيد..!! ولعل شيئا كهذا، حدث ذلك اليوم، فرأى الإمام التقي النقي بلا أبنائه وحفدته، رأى بلاءهم العظيم في سبيل القضية التي حمل لواءها، ورأى محط رحالهم، ومهراق دمائهم..!
القضية إذن، كانت كما قلنا، قضية النبوة لا الملك.. النبوة بكل تألقاتها الورعة وموازينها العادلة.. لا الملك الذي يريد نفر من الأمويين أن يردوا به وثنية الجاهلية في أثواب تنكرية..!! والذين يدرسون معارك الجمل، وصفين، وكربلا خارج هذه الدائرة، ولا يأمنون عثار تفكيرهم، وزيغ أحكامهم. ولقد رأينا كثيرين ممن تحدثوا عن كربلاء يحملون الحسين مسؤولية مصيره، ومصير الذين خرجوا معه..!! والحسين رضي الله عنه، يتحمل في شجاعة وغبطة مسؤولية ذلك المصير، ولكن ليس بالمعنى الذي يقصده هؤلاء.. فهم يرون أنه خرج تلبية لدعوة ثوار الكوفة إياه، باعتبار هذه الدعوة فرصة رآها سانحة لاسترداد الخلافة من بيت معاوية إلى بيت الإمام.. وهم يلومونه، أو يكادون، لأنه لم يصغ لنصح الناصحين من عشيرته الأقربين، كي يبقى مكانه في البلد الحرام مكة نافضا يديه من مشاكل الموقف الكالح الذي نتج عن استخلاف يزيد.. فهل كان ذلك كذلك..؟؟ أبدا.. وإن الأمر لمختلف جدا. فالقضية