فيه قداسة الحق. وشرف التضحية على نحو متميز وفريد..!! وصحيح أن تاريخ الاسلام مترع بالمشاهد الزاخرة بقداسة الحق وشرف التضحية، أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما تلا عصره الرائد العظيم من عهود وعصور.. بيد أن يوم كربلاء، تبقى له سمته المجيدة، وميزته الفريدة. فالقضية الجليلة التي دار من أجلها الصراع..
والقلة الصامدة الماجدة، التي وهبت حياتها لتلك القضية.. والطريقة التي دار بها القتال بين أربعة آلاف فارس من جيش ابن زياد، واثنين وسبعين لا غير.. هم أنصار الإمام الحسين.. والأحداث المروعة، التي سبقت ذلك اليوم.. والحصاد الأليم، والعظيم الذي خلفه، بعد أن مالت شمسه للغروب.. كل ذلك يجعل من يوم كربلاء يوما فريدا في تاريخ الآلام والبطولات.. في تاريخ التضحية والمجد.. في تاريخ المأساة والعظمة.. وفي تاريخ الحق الذي شهد في ذلك اليوم ورغم هزيمة أبطاله سيادة وانتصارا قرت بهما عيناه..!!
إن أعظم ما صنع الحسين وأهله وصحبه في ذلك اليوم هو أنهم جعلوا الحق قيمة ذاته، ومثوبة نفسه، فلم يعد النصر مزية له.. ولم تعد الهزيمة إزراء به..!!! لقد وقف اثنان وسبعون بطلا، وراء قائدهم العظيم أبي عبد الله الحسين: ليس لهم في إحراز النصر على عدوهم أدنى أمل.. وليس أمامهم سوى القتل بأسلحة خصم فاجر، متوحش، مسعور.. وأمامهم فرص النجاة، إذا هم أرادوها.. لكنهم رفضوا النجاة، ما دامت ستكون غمطا لقداسة الحق، وثلما لشرف التضحية..!! وهكذا راحوا يقاتلون حول قائدهم الممجد، معانقين المنايا، واحدا بعد واحد.. وهم يصيحون، بل يغنون: الله، والجنة.. الله، والجنة..!! من أجل ذلك، يرفض هذا الكتاب الوقوف عند اعتبار كربلاء مأساة وفاجعة، ومناسبة للبكاء والعويل.. ويمد بصره نحو مضمونها الصحيح، وجوهرها النضير، فيراها مهرجانا للحق وعيدا للتضحية، ليس لهما نظير..!! إنه يوم لم يعرف المسلمون بعد، حقه عليهم، ولا واجبهم تلقاءه.
وإن الأقدار لم تدع رؤوس أبناء الرسول تحمل على أسنة رماح قاتليهم، إلا لتكون