شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٣ - الصفحة ٤٣٥
ابن أبي طالب رضي الله عنه، الهاشمي القرشي.
أمه فاطمة الزهراء، بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكبر أولادها، وأولهم، ولد في المدينة المنورة، في شعبان سنة ثلاث من الهجرة.
وقيل: في نصف شهر رمضان منها.
وقيل: ولد سنة أربع.
وقيل: سنة خمس، والأول أثبت.
حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف.
وأذن في أذنه، وسماه الحسن، رضي الله عنه، وعق عنه بكبش.
كان حليما عاقلا، كريما شهما، سخيا سمحا، ورعا تقيا، محبا للخير، فصيح القول، بليغ العبارة، حسن المنطق، حاضر البديهة.
لين الجانب، سخي النفس، قوي الإرادة، ثابت الهمة، راسخ التسليم، محكم التفويض لله رب العالمين.
له في طريق القوم تأمل كامل، وحظ وافر، وفكر ثاقب، وقلب طاهر، وروح مشرقة، ونفس مضيئة مطمئنة.
إلى أن قال في ص ٦٨:
لا أعرف شرفا غير شرف النسب، ولا أحسب حسبا غير حسب الفضيلة.
وإمامنا الجليل، وحليمنا العظيم، حليم آل البيت، الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه، له من عراقة الأصل ما يفوق به شرف النسب، ومن طهارة المنبت ما يعلو به حسب الفضيلة.
وما وجدت آصل لفظا، ولا أعرق معنى، ولا أحكم عبارة، ولا أفصح بيانا، ولا أظهر وضوحا، ولا أكثر دقة، ولا أعمق تفكيرا، ولا أشد تثبيتا، لبيان نسب الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه. من هذا الحديث النبوي الرائع لفظا ومعنى، الذي أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، والطبراني في معجمه، وابن عساكر في تاريخه، والحاكم في مستدركه، على شرط البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاةالعصر، فلما كان في الرابعة، أقبل الحسن والحسين، حتى ركبا على ظهره، فلما سلم وضعهما بين يديه، وأقبل على الحسن فحمله على عاتقه الأيمن، والحسين على عاتقه الأيسر، ثم قال:
أيها الناس، ألا أخبركم بخير الناس جدا وجدة؟
ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة؟
ألا أخبركم بخير الناس أبا وأما؟ الحسن والحسين.
جدهما رسول الله، وجدتهما خديجة بنت خويلد، وأمهما فاطمة بنت رسول الله، وأبوهما علي بن أبي طالب، وعمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب. وخالهما القاسم بن رسول الله، وخالاتهما: زينب، ورقية، وأم كلثوم، بنات رسول الله.
وجدهما في الجنة، وأبوهما في الجنة، وأمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وجدهما في الجنة، وخالاتهما في الجنة، وهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة. اه.
ويعلق الشيخ ابن طلحة رضي الله عنه على هذا بكلام نفيس فيقول:
حصل للحسن وأخيه الحسين رضي الله عنهما، ما لم يحصل لغيرهما، فإنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانتاه، وسيدا شباب أهل الجنة.
جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبوهما علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وأمهما الطاهرة البتول فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.
نسب كان عليه من شمس الضحى نور، ومن فلق الصبح عمود.
هذا النسب الذي عنده تتضاءل الأنساب، وجاء بصحته الأثر في السنة والكتاب، فهو وأخوه رضي الله عنهما دوحة الفضل والنبوة، التي طابت فرعا وأصلا، وشعبة الرسالة التي سمت رفعة ونبلا، قد اكتنفها العز والشرف، ولازمهما السؤدد فما له عنهما منصرف أ ه.
ويعبر هو رضي الله عنه عن نفسه بنفسه فيقول:
يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ولم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا، ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه، والحافظ ابن كثير، بسندهما، عن المدايني قال:
كان عمرو بن العاس، وجملة من الأشراف، من أكرم الناس، فقال معاوية:
من أكرم الناس أبا وأما، وجدا وجدة، وخالا وخالة، وعما وعمة؟
فقام النعمان بن العجلان، فأخذ بيد الحسن فقال: هذا.
أبوه علي، وأمه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجده رسول الله وجدته خديجة، وعمه جعفر، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب.
فقال له عمرو: أحب بني هاشم دعاك إلى ما عملت؟
فقال ابن العجلان:
يا ابن العاص: ما عملت؟ إنه من التمس رضاء مخلوق بسخط الله الخالق حرمه الله أمنيته، وختم له بالشقاء في آخر عمره:
بنو هاشم أنضر قريش عودا وأقعدها سلما، وأفضلها أحلاما أ ه.
وأخرج أبو هاشم الجعفي قال:
فأخر يزيد بن معاوية يوما الحسن بن علي رضي الله عنه فقال معاوية ليزيد:
فاخرت الحسن؟ قال: نعم.
قال: لعلك تقول: أن أمك مثل أمه، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعلك تقول: أن جدك خير من جده، وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما أبوك وأبوه، فقد تحاكما إلى الله، فحكم الله لأبيه على أبيك. أ ه.
ذكره الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء.
إلى أن قال في ص ٧٤:
وأما صفته: فقد كان رضي الله عنه: كما أخرج أحمد بن محمد بن أيوب المغيري:
أبيض مشربا بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، كث اللحية، ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، جعد الشعر، حسن البدن، يخضب بالسواد مليحا من أحسن الناس وجها.
إلى أن قال في ص ٨٩:
إن الذي قدر على إخراج الماء من الصخرة الصماء، قادر على الارواء بغير ماء، ولكن لإظهار أثر المعجزة، وإيصال محل الاستغاثة، أراد الحق سبحانه أن يكون كل قوم جاريا على سنة، ملازما لحده، غير مزاحم لصاحبه، فأفرد لكل سبطة علامة يعرفون بها مشربهم، فهؤلاء لا يردون مشرب الآخرين، والآخرون لا يردون مشرب الأولين.
وحين كفاهم ما طلبوا أمرهم بالشكر، وحفظ الأمر، وترك اختيار الوزر، والمناهل مختلفة، والمشارب متفاوتة، وكل يرد مشربه.
فمشرب عذب فرات سائغ شرابه، ومشرب ملح أجاج يمج الذوق شرابه، ومشرب صاف زلال، ومشرب رتق أو شال، وسائق كل قوم يقودهم، ورائد كل طائفة يسوقهم، فالنفوس: ترد مناهل المنى والشهوات. والقلوب: ترد مشارب التقوى والطاعات.
والأرواح: ترد مناهل الحقائق بالاختطاف عن الكون والمرسومات.
ثم عن الاحساس والصفات، ثم بالاستهلاك في حقيقة الوجود والذات.
وعلامة سبط سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه، التي يعرف بها مشربه، أنه: فرع شجرة النبوة وعضو أهل بيت الرسالة وغصن أهل بيت الرحمة ونقطة معدن العلم.
ولا خفاء على من مارس شيئا من العلم أو خص بأدنى لمحة من الفهم، تعظيم قدر توجيه نبينا صلى الله عليه وسلم لإمامنا الحسن بن علي، وخصوصه صلوات الله وسلامه عليه إياه بفضائل، ومحاسن، ومناقب، لا تنضبط لزمام، وتنويهه بذلك صلى الله عليه وسلم، واختصاصه بما تكل عنه الألسنة والأقلام.
وتوجيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لإمامنا الحسن، كان له الفضل والصدارة، في تهيئته رضي الله عنه، إلى ما كان عليه من غزارة علمه، ودلائل حكمه، وحسن أقواله، وفصاحة لسانه، وبلاغة حنانه، وحسن مناظراته، وبراعة استهلاله، وإيجاز خطبه، ودقة كلامه.
فتوجيهه صلوات الله وسلامه عليه، له، يعد بحق: أصل فرعه، وعنصر ينابيعه، ونقطة دائرته، الذي منه انبعث علمه ومعرفته، وتفرع منه ثقوب رأيه، وجودة فطنته، وإصابة فكره، وصدقظنه، ونظره للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة، ودقة التدبير، واقتناء الفضائل، وتجنب الرذائل.
والناظر في مكانة إمامنا الحسن العلمية، يلمح بداهة، اتسام سيدنا الحسن، بفصيح القول، وبليغ العبارة، وحسن المنطق، وحضور البديهة، وقوة الحجة، ووضوح البرهان، وفي كلامه وحكمه، وخطبه - كما سيأتي - يؤكد ذلك.