وإنما اعتبرنا المقدمة الأولى، لأنه لو بني على كون أصالة الظهور التي من أفرادها أصالة العموم من الأمارات، بأن يكون المدار في اعتبارها على الظن ولو نوعا، لا يبقى معنى لأصالة عدم الاشتراك، وكونها مزيلة لأصالة العموم، فإن أصالة العموم - حينئذ - نسبتها إلى أصالة عدم الاشتراك من نسبة الدليل إلى الأصل، ولا ريب أن موضوع دليل اعتبار الأصل مقيد بعدم الدليل، فمعه لا اعتبار للأصل أصلا، سواء كان الشك في مجراه سببا للشك في العموم أولا بل يكون الدليل طريقا إلى ثبوت مؤداه فتنبه ومن هنا يظهر أن تقديم المشهور للتخصيص على الاشتراك في المقام، لو كان مع فرض كون أصالة العموم أمارة، لا وجه للتقديم، بل ينبغي العكس.
وأما وجه اعتبار المقدمة الثانية فواضح، إذا لو لم نقل بتعميم القاعدة المذكورة، واقتصرنا فيها بما إذا ثبت الاقتضاء في نفس المزيل والمزال، كما رجحناه سابقا، وأشرنا إلى اختياره في عدة مواضع، في مقام الرد على من تمسك بالقاعدة المذكورة بمجرد ثبوت التسبيب من حيث الشك، لكن الذي يرجح في النظر الآن تعميم القاعدة المذكورة، وفاقا لشيخنا الأستاذ (1) دام ظله.
ثم إن الظاهر أن أصالة العموم، كسائر الأصول اللفظية الجارية في تعيين المراد أمارة، لا أصل تعبدي، لما عرفت من أن دليل اعتبارها كسائر الأصول اللفظية إنما هو بناء العقلاء وسيرتهم، ولا ريب أنه لا يعقل التعبد في أفعالهم من دون آمر لهم، كما هو المفروض المسلم في الأصول، فيجب البناء على العموم.
ثم إنه هل يثبت به اشتراك اللفظ الآخر أولا؟ الظاهر هو الثاني، لعدم ثبوت بناء العقلاء من أهل اللسان على إثبات ذلك بمجرد أصالة العموم.
نعم لو علم الاشتراك، وتردد اللفظ بين أن يكون المراد به الخاص، الذي هو أحد أفراد العام، وأن يكون المراد به المعنى الآخر، فيمكن التمسك بأصالة العموم في رفع الإجمال عن اللفظ الآخر، وحمله على المعنى الآخر الذي لا ينافي العموم.
ثم إن حال الاشتراك مع سائر المجازات غير التخصيص، كحاله مع التخصيص، فإن أصالة الحقيقة في غير العمومات أمارة على إرادة مؤداها، فلا يبقى معها لأصالة عدم الاشتراك بعد مورد.