قال: قلنا: فما ترك الأمل؟ قالوا: قيل له هذا قد قطعت ما خلف أناملك فما لك لا تلف كمك؟ قال: الأمر أسرع من ذلك فاجتمعت إليه بنو هاشم قاطبة وسألوه وطلبوا إليه لما وهب لهم لباسه ولبس لباس الناس وانتقل عما هو عليه من ذلك، فكان جوابه لهم البكاء والشهيق وقال: بأبي وأمي من لم يشبع من خبز البر حتى لقي الله وقال لهم: هذا لباس هدى يقنع به الفقير ويستر به المؤمن.
قال: فما الحياء؟ قالوا: لم يهجم على أحد قط أراد قتله فأبدا عورته إلا انكفأ عنه حياء منه.
قال: فما الكرم؟ قالوا: قال له سعد بن معاذ وكان نازلا عليه في العزاب في أول الهجرة ما منعك أن تخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته، فقال (عليه السلام): أنا أجتري أن أخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله لو كانت أمة له ما اجترأت عليه، فحكى سعد مقالته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): قل له يفعل فإني سأفعل. قال: فبكى حيث قال له سعد. قال: ثم قال: لقد سعدت إذا أن جمع الله لي صهره مع قرابته فالذي يعرف من الكرم هو الوضع لنفسه وترك الشرف على غيره وشرف أبي طالب ما قد علمه الناس وهو ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبيه وأمه، أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم التي خاطبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في لحدها وكفنها في قميصه ولفها في ردائه وضمن لها على الله أن لا تبلى أكفانها وأن لا تبدي لها عورة ولا يسلط عليها ملكي القبر وأثنى عليها عند موتها وذكر حسن صنيعها به وتربيتها له وهو عند عمه أبي طالب وقال: ما نفعني نفعها أحد.
ثم البلاغة، مال الناس إليه حيث نزل من المنبر فقالوا: ما سمعنا يا أمير المؤمنين أحدا قط أبلغ منك ولا أفصح فتبسم وقال: وما يمنعني وأنا مولد مكي ولم يزدهم على هاتين الكلمتين.