وصم ذوو أسماع! أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الشافية الكافية، وأحثكم على الجهاد لأهل الجور، فما آتي على آخر كلامي حتى أراكم متفرقين حلقا شتى، تتناشدون الأشعار وتضربون الأمثال، وتسألون عن سعر التمر واللبن!
تبت أيديكم، لقد سئمتم الحرب والاستعداد لها، وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأباطيل والأضاليل والأعاليل! ويحكم، أغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا! وأيم الله ما أظن أن تفعلوا حتى يفعلوا ثم وددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على بصيرتي ويقيني واسترحت من مقاساتكم ومن ممارستكم! فما أنتم إلا كإبل جمة ضل راعيها، فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب. كأني بكم والله فيما أرى، لو قد حمس الوغى واستحر الموت، قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة عن ولدها، لا تمنع يد لامس!! قال الأشعث بن قيس الكندي: فهلا فعلت كما فعل ابن عفان؟!
فقال علي عليه السلام: يا عرف النار، أو كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت؟ أنا عائذ بالله من شر ما تقول! يا ابن قيس والله إن الذي فعل ابن عفان لمخزاة لمن لا دين له ولا الحق في يده، فكيف أفعل ذلك وأنا على بينة من ربي وحجته في يدي والحق معي؟ والله إن امرء مكن عدوه من نفسه حتى يجز لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه، وهو يقدر على أن يمنعه، لعظيم وزره وضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره! فكن أنت ذلك يا ابن قيس فأما أنا فدون والله أن أعطي بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام، وتطيح منه الكف والمعصم ويفعل الله بعد ما يشاء. ويلك يا بن قيس، المؤمن يموت بكل موتة غير أنه لا يقتل نفسه، فمن قدر على حقن دمه، ثم خلا بينه وبين قاتله، فهو قاتل نفسه...
فقال الأشعث بن قيس وغضب من قوله: فما يمنعك يا ابن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما، أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لم تخطبنا خطبة منذ كنت قدمت العراق إلا وقد قلت