في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا. ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال عليه السلام:
وأما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني في حياته على جميع أمته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدى إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي، في شئ من الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع أحدا من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف علي نقضه ومنازعته، ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه، إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين والمؤلفة قلوبهم والمنافقين. لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده، ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته، أن يمضى جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز، وأكد فيه أكثر التأكيد! فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه وآله إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم، والسير معه تحت لوائه، حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه! فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله صلى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب