إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان! وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فاللفظه، وما أيقنت بطيب وجهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضئ بنور علمه. ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة!
إلى أن قال عليه السلام: ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.
وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان! ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، والروائع الخضرة أرق جلودا، والنباتات البدوية أقوى وقودا وأبطأ خمودا، وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس، حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد.