وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلا أو نهارا، فقال: حبا وكرامة، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل على فاطمة وهي لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء ، فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلا وإما نهارا. فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله لا أسكت ليلا ولا نهارا، أو ألحق بأبي رسول الله! فقال لها علي: إفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك. ثم إنه بني لها بيتا في البقيع نازحا عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت عليها السلام قدمت الحسن والحسين أمامها، وخرجت إلى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها)!
أقول: ينبغي الإلفات إلى أن تأذي بعض أهل المدينة أو جماعة السلطة، لا يمكن أن يكون من مجرد بكاء فاطمة عليها السلام وذويها في بيتها أو في البقيع، بل من مجلسها الذي كان يحضره نساء الأنصار فيأخذ قسما من النهار وجزءا من الليل، وتندب فيه النادبات، ويقرأن فيه القرآن والشعر، وربما تحدثت فيه فاطمة! ثم تنعكس أخباره وأجواؤه على مدينة النبي صلى الله عليه وآله وحكومتها الجديدة!
أراكة الأحزان.. وبيت الأحزان!
يقع مشهد الأئمة من أهل البيت عليهم السلام في أعلى نقطة في البقيع على يمين الداخل، وقد هدمه الوهابيون في سنة 1348 هجرية، وما زال قسم من جداره الشرقي موجودا. وموضع بيت الأحزان في البقيع خلف هذا المشهد الشريف من جهة الشرق، وقد شمله الهدم، ففي الذريعة: 7 / 52: (ولكن انهدم بيت الأحزان في بقيع الغرقد لمجاورته مراقد أئمة الشيعة عليهم السلام، وذلك لأجل أنه قد يؤخذ الجار بجرم الجار). انتهى.