أرى لك يا أمير المؤمنين أن تظل نهارك صائما مجاهدا، وبالليل ساهرا مكابدا ثم يكون هذا فطورك! فقال: علل النفس بالقليل وإلا طلبت منك فوق ما يكفيها!
ولم يزل هذا دأبه وهذه سجيته، حتى ضربه أشقى الآخرين على رأسه في مسجد الكوفة صبيحة ليلة الأربعاء لتسعة عشر مضين من شهر رمضان المبارك وهو ساجد لله في محرابه، فبلغ السيف موضع السجود من رأسه، فقال:
بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، فزت ورب الكعبة لا يفوتنكم ابن ملجم، واصطفقت أبواب الجامع، وهبت ريح سوداء مظلمة، ونادى جبرائيل بين السماء والأرض: تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله أعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الإمام المجتبى، قتل علي المرتضى، وجعل الدم يجري على وجهه، فيخضب به لحيته الشريفة). (المجالس الفاخرة ص 309) دخوله عليه السلام قبل الفجر إلى مسجد الكوفة وجاء أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل المسجد والقناديل قد خمد ضوؤها، فصلى في المسجد ورده وعقب ساعة، ثم قام وصلى ركعتين، وكان في المسجد عدد من الناس يحيون ليله أو قسما منه بالعبادة.
وجاء ابن ملجم في تلك الليلة إلى قطام في خبائها الذي نصبته في المسجد بحجة أنها معتكفة لعبادة ربها! ودخل عليها ابن ملجم وشريكه شبيب بن بجرة، فدعت لهما ولوردان، وعصبت صدورهم بحرير! (فأقبل به حتى دخلا على قطام، وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت لها قبة، فقالا لها: قد أجمع رأينا على قتل هذا الرجل، قالت لهما: فإذا أردتما ذلك فألقياني في هذا الموضع فانصرفا من عندها فلبثا أياما ثم أتياها، ومعهما وردان بن مجالد، الذي كلفته مساعدة ابن ملجم). (شر النهج: 6 / 114)