فقلت: لا بأس عليك يا أبا الحسن، فإن هذا الجرح ليس بضائر، وما هو بأعظم من ضربة عمرو بن عبد ود، فإن البرد لا يزلزل الجبل الأصم، ولفحة الهجير لا تجفف البحر الخصم، والليث يضرى إذا خدش، والصل يقوى إذا ارتعش! فنظر إلي نظرة رأفة ورحمة وقال: هيهات يا ابن عمرو، نفذ القضاء، وأبرم المحتوم، وجرى القلم بما فيه، وإني مفارقك. فسمعت أم كلثوم كلامه فبكت، فقال لها أمير المؤمنين: يا بنية لو رأيت مثل ما رأيت، لما بكيت على أبيك. قال حبيب فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟ قال: يا حبيب أرى ملائكة السماوات والنبيين بعضهم في أثر بعض، وقوفا إلي يتلقوني، وهذا أخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله جالس عندي يقول: أقدم فإن أمامك خير لك مما أنت فيه، قال: فما خرجت من عنده حتى توفي صلوات الله عليه). (الأنوار العلوية للنقدي ص 332).
ليلة العشرين من رمضان قال محمد بن الحنفية: بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي، وقد نزل السم إلى قدميه، وكان يصلي تلك الليلة من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصايا يعزينا عن نفسه، ويخبرنا بأمره إلى حين طلوع الفجر، فلما أصبح استأذن الناس عليه فأذن لهم بالدخول فدخلوا وأقبلوا يسلمون عليه وهو يرد عليهم ويكلمهم، ثم قال: أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، وخففوا سؤالكم، لمصيبة إمامكم! قال فبكى الناس بكاء شديدا وأشفقوا ان يسألوه تخفيفا، فقام إليه حجر بن عدي الطائي وقال: يا أسفي على المولى التقي * أبي الأطهار حيدرة الزكي قتيلا قد غدا بحسام نغل * لعين فاسق رجس شقي فلما بصر به عليه السلام وسمع شعره قال له: كيف بك يا حجر إذا دعيت إلى البراءة مني فما عساك أن تقول؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف إربا إربا