وأنتم دائي، كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها. اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركي.
أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفا صفا. بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى! مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر! على وجوههم غبرة الخاشعين. أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم! إن الشيطان يسني لكم طرقه، ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم بالجماعة الفرقة، فأصدفوا عن نزغاته ونفثاته، واقبلوا النصيحة ممن أهداها إليكم، واعقلوها على أنفسكم).
وفي نهج البلاغة: 1 / 56: من كلامه عليه السلام للأشعث بن قيس عندما اعترض عليه في خطبته المتقدمة فقال له: (يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك! فخفض عليه السلام إليه بصره فقال: ما يدريك ما علي مما لي؟! عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين! حائك بن حائك منافق بن كافر! والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى، فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك! وإن امرأ دل على قومه السيف، وساق إليهم الحتف لحري أن يمقته الأقرب، ولا يأمنه الأبعد).
وفي شرح النهج: 1 / 296: (فصفق عليه السلام بإحدى يديه على الأخرى، وقال: هذا جزاء من ترك العقدة. وكان مراده عليه السلام هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي والحزم وأصررتم على إجابة القوم إلى التحكيم، فظن الأشعث أنه أراد: هذا جزائي حيث تركت الرأي والحزم وحكمت.... فلما قال له: هذه عليك لا لك، قال له: وما يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين)!
وقال الشيخ محمد عبده في شرحه: (كان الأشعث في أصحاب علي كعبد الله