(الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه إله غيره وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله.
أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة، وتعقب الندامة. وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمر، فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة! حتى ارتاب الناصح بنصحه، وضن الزند بقدحه، فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد)!!
وقال عليه السلام كما في نهج البلاغة: 2 / 96: (فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن ولا يجاوزاه، وتكون ألسنتهما معه وقلوبهما تبعه. فتاها عنه وتركا الحق وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما، والاعوجاج دأبهما، وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحق سوء رأيهما وجور حكمهما، والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحق، وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم). انتهى.
لكن المشكلة في العراق كانت استفحال أمر الخوارج، الذين رأوا في لعبة ابن العاص وغباء أبي موسى الأشعري دليلا على صحة موقفهم في تكفير الذين قبلوا بالتحكيم وأولهم هم، ولم ينفع معهم حث الإمام لهم على التوجه معه إلى حرب معاوية، بل أخذوا يتجمعون في معسكرات مطالبين عليا عليه السلام بأن يشهد على نفسه بالكفر ويتوب مثلهم لكي يبايعوه ويتوجهوا معه إلى حرب معاوية!
ففي نهج البلاغة: 1 / 233: (من كلامه عليه السلام وقد قام إليه رجل فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فما ندري أي الأمرين أرشد! فصفق عليه السلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال: هذا جزاء من ترك العقدة! أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من؟ أريد أن أداوي بكم