وأقرب إليه منكم. فقال أبو الأعور: أكثرت الكلام وذهب النهار، فاذهب وادع أصحابك وأدعو أصحابي وأنا جار لك حتى تأتي موقفك هذا الذي أنت فيه، ولست أبدأك بغدر حتى تأتي أنت وأصحابك.
قال: فرجع عوف بن بشر إلى عمار بن ياسر ومن معه، فأخبرهم بذلك، وأقبل عمار ومعه الأجلاء من أهل عسكره، وتقدم عمرو بن العاص في أجلاء عسكره حتى اختلفت أعناق الخيل، فنزلوا هؤلاء وهؤلاء عن خيولهم واحتبوا بحمائل سيوفهم، وذهب عمرو يتكلم التشهد، فقال عمار: أسكت! وقد تركتها في حياة محمد صلى الله عليه وآله وبعد موته، ونحن أحق بها منك، فاخطب بخطبة الجاهلية، وقل قول من كان في الإسلام دنيا ذليلا وفي الضلال رأسا محاربا، فإنك ممن قاتل النبي صلى الله عليه وآله في حياته وبعد موته، وفتن أمته من بعده، وأنت الأبتر بن الأبتر شانئ محمد صلى الله عليه وآله وشانئ أهل بيته!!
قال: فغضب عمرو ثم قال: أما إن فيك لهنات! ولو شئت أن أقول لقلت. فقال عمار: وما عسى أن تقول: إني كنت ضالا فهداني الله ووضيعا فرفعني الله، وذليلا فأعزني الله، فإن كنت تزعم هذا فقد صدقت، وإن كنت تزعم أني خنت الله ورسوله يوما واحدا، أو تولينا غير الله يوما واحدا فقد كذبت! ولكن هلم إلى ما نحن فيه الآن، فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك، وإن شئت كانت خطبا فنحن أعلم بفصل الخطاب منك، وإن شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك، وتكفرك قبل القيام من مجلسك، وتشهد بها على نفسك، ولا تستطيع أن تكذبني: هل تعلم أن عثمان بن عفان كان عليه الناس بين خاذل له ومحرض عليه وما هم فيه من نصره بيده ولا نهى عنه بلسانه؟ وقد حصر أربعين يوما في جوف داره ليس له جمعة ولا جماعة، وتظن ما كان فيه قبل أن يقتل ما كان من