فقال عمار: قد أخبرتك كيف قتل عثمان. فقال عمرو: فعلي قتله، فقال عمار: بل الله قتله. قال عمرو: فهل كنت فيمن قتله؟ قال عمار: أنا مع من قتله وأنا اليوم أقاتل لمن قتله، لأنه أراد أن يقتل الدين فقتل!
فقال عمرو: يا أهل الشام إنه قد اعترف بقتل عثمان أمامكم! فقال عمار: قد قالها فرعون لقومه: (ألا تسمعون)! أخبرني يا ابن النابغة! هل أقررت أني أنا الذي قتلت عثمان حتى تشهد علي أهل الشام؟! فقال عمرو يا هذا: إنه كان من أمر عثمان ما كان، وأنتم الذين وضعتم سيوفكم على عواتقكم وتحربتم علينا مثل لهب النيران حتى ظننا أن صاحبكم لا بقية عنده، فإن تنصفونا من أنفسكم فادفعوا إلينا قتلة صاحبنا وارجعوا من حيث جئتم، ودعوا لنا ما في أيدينا، وإن أبيتم ذلك فإن دون ما تطلبون منا والله خرط القتاد!
قال: ثم تبسم عمار ثم قال: ليس أول كلامك هذا يا ابن النابغة، يا دعي يا ابن الدعي! يا ابن حرار قريش! يا من ضرب على خمسة بسهامهم كل يدعيك حتى قاربك شرهم! أفي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تغتمز؟ أما والله لقد علمت قريش قاطبة أن عليا لا يجلس له علا، ولا يقعقع له بالشنان، ولا يغمز غمز التين! قال: فقام أهل الشام فركبوا خيولهم ولهم زجل فصاروا إلى معاوية، فقال له معاوية: ما وراءكم؟ فقالوا: وراءنا والله إننا قد سمعنا من عمار بن ياسر كلاما يقطر الدم! ووالله لقد أخرس عمرو بن العاص حتى ما قدر له على الجواب!
فقال معاوية: هلكت العرب بعد هذا ورب الكعبة!
قال: ورجع عمار في أصحابه إلى علي بن أبي طالب فأخبره بالذي دار بينه وبين عمرو بن العاص، فأنشأ رجل من أصحاب علي يقول:
ما زلت يا عمرو قبل اليوم مبتدرا * تبغي الخصومة جهرا غير سرار