قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 20 / 298: (قال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ترك ولدا ذكرا قد بلغ الحلم، وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟ قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت، ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلما إلى العز والأمرة، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعا، وبازلها بكرا، ثم فتح الله عليها الفتوح فأثرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا، وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف.
وما عسى أن يكون الولد لو كان! إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت! وكذاك لم يكن يقرب ما قربت، ثم لم يكن عند قريش والعرب سببا للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة.
اللهم إنك تعلم أني لم أرد الأمرة، ولا علو الملك والرياسة، وإنما أردت القيام بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك). انتهى.
وقد أشرنا إلى موضوع المفتوحات استطرادا، وهو يحتاج إلى دراسة خاصة، كما ينبغي التنبيه على أن إمضاء أمير المؤمنين عليه السلام للفتوحات لا يعني قبوله عليه السلام لأخطاءها الكثيرة، ومنها أخطاء فادحة على مستوى الإسلام والتاريخ!
* *