بكر وعمر؟ فقال عليه السلام: (أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بما الأمة صانعة بي بعده! فلم أك بما صنعوا حين عاينته بأعلم مني ولا أشد يقينا مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله أشد يقينا مني بما عاينت وشهدت. فقلت: يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك، حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا....
ويلك يا ابن قيس، كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان إذ وجدت أعوانا؟! هل رأيت مني فشلا أو تأخرا أو جبنا أو تقصيرا في وقعتي يوم البصرة، وهم حول جملهم، الملعون من معه، الملعون من قتل حوله، الملعون من رجع بعده لا تائبا ولا مستغفرا، فإنهم قتلوا أنصاري ونكثوا بيعتي ومثلوا بعاملي وبغوا علي!
فسرت إليهم في اثني عشر ألفا وهم نيف على عشرين ومائة ألف! فنصرني الله عليهم، وقتلهم بأيدينا وشفى صدور قوم مؤمنين.
وكيف رأيت يا ابن قيس وقعتنا بصفين، وما قتل الله منهم بأيدينا خمسين ألفا في صعيد واحد إلى النار!
وكيف رأيتنا يوم النهروان، إذ لقيت المارقين وهم مستمسكون يومئذ بدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ فقتلهم الله بأيدينا في صعيد واحد إلى النار، لم يبق منهم عشرة، ولم يقتلوا من المؤمنين عشرة!
ويلك يا ابن قيس، هل رأيت لي لواء رد، أو راية ردت؟! إياي تعير يا ابن قيس؟ وأنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع مواطنه ومشاهده، والمتقدم إلى الشدائد بين يديه، لا أفر ولا أزول، ولا أعيا ولا أنحاز، ولا أمنح العدو دبري، لأنه لا ينبغي للنبي ولا للوصي إذا لبس لأمته وقصد لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له....
يا ابن قيس، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم الذي عيرتني بدخولي في بيعته، أربعين رجلا كلهم على مثل بصيرة الأربعة الذين قد وجدت، لما كففت يدي ولناهضت القوم، ولكن لم أجد خامسا فأمسكت)! (كتاب سليم بن قيس ص 215)