بل المراد - والله العالم - هو ما يحبه عامة الناس كالحلوات (1) والطبائخ والثمار اللذيذة، فكل أحد مخاطب مع اليسار بالانفاق مما يحبه الغالب لا أن كل واحد مأمور بالانفاق بما يحب، فمزية الانفاق به على الانفاق لغيره من حيث إنه يحبه المنفق عليه كما يحبه المنفق، لا من حيث إنه يحبه المنفق.
الثانية: إن الرواية لم يذكر فيها غنى الوالدين وإنما ذكر فيها استغنائهما، والاستغناء عد النفس غنيا ولو مع الاحتياج أو الفقر، ويشهد له قوله عليه السلام: " أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه " (2). فمعنى الحديث - حينئذ -: أنه أنفق على والديك مما يحتاجان إليه ويشتهيانه، حيث إنك تعلم أن كثيرا من الأشياء التي يحبها عامة الناس ويشتهيها وإن تعففا ولم يسألاك إياها لمكان استغنائهما ولا تكلفهما أي: ولا توقعهما في كلفة السؤال وترك التعفف.
والحاصل، أن ارتكاب تلك التوجيهات من جماعة إنما حصل من أمرين:
أحدهما: قصر " ما تحبون " في الآية على ما يحبه المنفق، وقد عرفت أن فضيلة البر من حيث كونه برا إنما يحصل بالانفاق بما يحبه الفقير لا بما يحبه المنفق، فكأنه عز وجل قال لكل أحد: أنفق مما يحبون، لا أنه أنفق مما تحب.
والثاني: حمل " الاستغناء " في الرواية على الغنى، وقد عرفت أنه