وكون الصلة فعلا صريحا مستقبل المعنى، فيجوز " الذي يأتيني له درهم " بدون فاء على قصد السببية، بل يجوز وصله بالظرف وما في معناه مما ليس فعلا صريحا، وهو كثير، بل وبالفعل الماضي كما في الآية، وقول النحاة يتضمن الموصول والموصوف معنى الشرط على ضرب من التسامح.
لأنا نقول: دخول الفاء دال على إرادة الشرط قطعا باجماع النحاة، لسبقه إلى الذهن، وهذا القدر كاف في اعتبار المفهوم المستفاد من فهم أهل العرف الذين لا يفرقون في الدال على الشرط صريحا أو بتضمنه معنى الشرط، كما في كلم المجازاة أو بالقرينة لدخول الفاء في الخبر، فإن جميع ذلك مشترك في الدلالة على مقصود المتكلم منطوقا ومفهوما عرفا، وإن اختلف الدال على الاشتراط بالوضع والقرينة، فإن أراد بكون الفاء مؤذنة أن الدلالة قد استفيدت فهو مسلم، لكنه غير قادح في المطلوب المبني على فهم الاشتراط ولو من القرينة كما عرفت، وإن أراد بكونها مؤذنة أنها مشعرة لا دالة كما يقضي به لفظ الايذان فهو - مع كونه خلاف ظاهر جعلهم الفاء من أمارات الشرط وأدلته، نحو ايذان اللام الموطئة للقسم بالقسم - واضح الفساد ضرورة عدم الفرق في الدلالة عرفا، في نحو " من جاءك فأكرمه " بين كونها موصولة أو شرطية، ولا يقدح في ذلك استعمالها غير مبهمة في نحو قوله تعالى " الذين فتنوا " إلى آخرها، لأن دخول الفاء إنما يكون قرينة على إرادة الشرط مع إمكانه، وهو فيما إذا كان خاصا ممتنع، كما أنه لا يقدح عدم المعاملة معاملة أدوات الشرط في التزام الفاء ونحوها مما هي أحكام لفظية لا مانع من أن تتبع وضع اللفظ، بخلاف اعتبار المفهوم، فإنه من توابع المعنى دون اللفظ.
بل قد يقال بعد التسليم والتنزل إنه لا ريب في أن دخول الفاء مما يتقوى به اعتبار القيد، وتتأكد معه الدلالة في مفهوم الوصف، ولا أقل من أن يصير به المفهوم متوسطا في القوة والضعف بين مفهومي الشرط والوصف، كما يظهر بالتدبر في قول القائل: " الذي يأتيني له درهم " وقوله: " الذي يأتيني فله درهم " فإنك