ثم ذكر الاستنجاء، ولما في خبر الحذاء (1) أنه " وضأت الباقر (عليه السلام) بجمع، فناولته ماءا فاستنجى، ثم صببت على يده فغسل وجهه " إلى آخره. بل ربما يؤيده ما دل على المبالغة في قلة ماء الوضوء (2) وإن " لله ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب نقصانه " (3) وما ورد (4) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ما كان وضوؤه إلا مرة مرة " وما قيل إن العامة اعترضت علينا أن الوضوء بمد ينافي ما هو عندكم من الوضوء، إذ ليس معه غسل الرجلين وأجيب عنه بدخول ماء الاستنجاء، إلا أن ذلك إن سلم إمكانه في الروايات فهو ممنوع بالنسبة إلى كلمات الأصحاب وإجماعاتهم. فلعل الظاهر أن المراد بهذا المد للوضوء إنما هو مع سائر مستحباته حتى الاسباغ من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق مع تثليث كل منهما بثلاث أكف وتثنية الغسلات، فإنه يكون حينئذ تقريبا من أربعة عشر كفا، والمد لا يزيد على ذلك بحسب الظاهر، إذ هو - كما عرفت أنه مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف - عبارة عن ربع المن التبريزي كما قيل، على أنه لا ظهور في الروايتين المتقدمتين لدخول الاستنجاء تحت اسم الوضوء، إذ قد يكون طلب الماء للوضوء، ثم بدا له الاستنجاء، على أنه من كلام الراوي، فلا يكون حجة، بل قد يقال: إن التحديد يراعى فيه أقصى الأفراد.
ثم إن الظاهر من كلام الأصحاب كون المستحب مقدار المد، فمتى زاد أو نقص فلا أجر، واحتمال القول بتبعيض السنة حيث يأتي بزائد على الواجب مع النقصان عن المد ضعيف، كاحتمال الاتيان بالسنة مع الزيادة على المد، وإن خالف في الزيادة، ولولا ظهور اتفاق الأصحاب على الاستحباب لأمكن القول أن المستفاد من الروايات