الظاهر بملاحظة بعض أدلة الطرفين: أن النزاع في الفرد والأفراد، لا الدفعة والدفعات؛ لأن القائل بالتكرار يستدل لمرامه بأنه لو لم يدل على التكرار لما كان معنى لتكرار الصوم والصلاة والزكاة ونحوها. وناقض استدلاله القائل بدلالته على المرة بالحج؛ حيث لم يجب في العمر إلا مرة واحدة.
وواضح: أن المراد بالتكرار في الصلاة ونحوها والمرة في الحج هي الفرد والأفراد، لا الدفعة والدفعات. ومجرد انطباق مفهوم الدفعة على الفرد أحيانا لا يوجب كون ذلك بدلالة اللفظ. ويريد ذلك بأنه ليس في الأحكام ما يكون للدفعة والدفعات، فتدبر.
ولكن ذهب صاحب " الفصول " (قدس سره) إلى أن المراد بالمرة والتكرار الدفعة أو الدفعات لوجهين:
الوجه الأول: مساعدة ظاهر اللفظين؛ فإنه لا يقال لمن ضرب شخصا بسوطين - مثلا - دفعة: إنه ضربه مرتين، بل مرة واحدة.
الوجه الثاني: أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الأنسب - بل اللازم - أن يجعل هذا البحث تتمة للبحث الآتي؛ من أن الأمر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد؛ فيقال عند ذلك وعلى تقدير تعلقه بالفرد: هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد، أو لا يقتضي شيئا منها، ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث، كما فعلوه.
وأما على ما اخترناه فلا علقة بين المسألتين؛ فإن للقائل بتعلق الأمر بالطبيعة أن يقول بأنه للمرة أو التكرار؛ بمعنى أنه يقتضي وجوب إيجادها مرة واحدة أو مرارا بالمعنى الذي سبق، وإن لا يقول بذلك.
وكذا القائل بتعلقه بالفرد دون الطبيعة؛ إذ ليس المراد به الفرد الواحد، بل مطلق الفرد (1).