وفيه: أنه لا يخفى أن البحث في هذا الباب بحث لغوي وفي المعنى التصوري، وفي دلالة اللفظ على المعنى، وفي أن أمر المولى هل يدل على المرة أو التكرار؛ ولذا يستدلوا لذلك بالتبادر وما يرجع إلى إثبات المعاني اللغوية.
وأما البحث في باب تعلق الأمر بالطبيعة أو الفرد فهو بحث عقلي، من غير اختصاص لذلك بلفظ الأمر؛ وذلك لأن المبحوث عنه هناك في أن الأوامر الصادرة من الآمر - سواء صدرت منه بصيغة الأمر أو بصورة الجملة الخبرية، بل بنحو من الإشارة - هل تتعلق بالطبيعة أو الفرد؟
وبعبارة أخرى: هل يمكن أن تتعلق إرادة الآمر بحسب الواقع بالطبيعة أو بالفرد؟
ولذا تمسك غير صاحب الفصول (قدس سره) لإثبات مدعاهم بأدلة عقلية، مثل استدلالهم بأن الطبيعي لا وجود له في الخارج، واستدلالهم بأصالة الوجود، أو أصالة الماهية، إلى غير ذلك مما يمر بك قريبا.
وواضح: أن الاستدلال بهذه الأمور لم يكن من دلالة اللفظ من شئ.
فظهر لك: أن المسألة المبحوثة عنها مسألة لغوية، ومسألة تعلق الأمر بالطبيعة أو الفرد مسألة عقلية، فلا ارتباط بين المسألتين.
فعلى هذا: لو قلنا هنا بأن لفظ الأمر موضوع للمرة فيمكن أن يقال هناك: إنه لا يعقل أن يكون الفرد مبعوثا إليه، بل لابد وأن يكون المبعوث إليها نفس الطبيعة؛ فيكون الحكم العقلي قرينة عقلية على عدم إرادة الموضوع له، فتدبر.
ولو قلنا - تبعا لصاحب " الفصول " (قدس سره)؛ حيث استدل في مسألة تعلق الأمر بالطبيعة أو الفرد بالتبادر ونحوه (1) - إن المسألة المبحوث عنها هناك أيضا مسألة لغوية.
ولكن يرد عليه - مع ذلك - أمران: