فإذن: لم يتحصل من كلامه (قدس سره) إلا أن الجمل الخبرية استعملت في الإنشائية، وهو عين الدعوى.
والذي ينبغي أن يقال في الجمل الخبرية المستعملة في مقام البعث والإغراء، ويساعده الذوق السليم والارتكاز العرفي - الذي هو الدليل الوحيد في أمثال هذه الأمور - إن هيئة الجملة الخبرية الفعلية وضعت للحكاية عن وقوع النسبة ولحوقها، فبعد حكايتها عن ذلك تارة يريد استقرار ذهن السامع عليه، ولعله الغالب في استعمال تلك الجمل، فتكون إخبارا عن الواقع.
وأخرى يخبر عن الواقع، ولكن مشفوعا بادعاء الوقوع. فعلى هذا استعملت الجملة الخبرية في معناها الإخباري، لكن لأجل تحريك المخاطب نحو الواقع.
فإذن: الجمل الخبرية المستعملة في مقام الإنشاء مجاز بالمعنى الذي ذكرناه في محله، والطلب بهذا اللسان أبلغ من الطلب بهيئة الأمر، كما لا يخفى.
الأقوى: أنك إذا أردت تحريك ابنك إلى فعل بحفظ مقامات فقلت له: ابني لا يفعل ذلك، أو ابني يحفظ مقام أبيه، فترى أنه أبلغ وأوفى من قولك له: افعل كذا.
وبالجملة: قولك لابنك: ابني يصلي - مثلا - في مقام البعث والإغراء لا تريد منها إلا أمرك ابنك بالصلاة، لكن بلسان الإخبار عن وقوعها وصدورها منه وعدم قابليتها للقول؛ فكأنك أوكلت إتيانها إلى عقله وتمييزه، فتدبر.