الذهن منه إلى عدم قدرتهم على إتيان مثله.
وأما في غير باب الكناية - من سائر أنواع المجازات - فيرون أن اللفظ فيها مستعمل في غير ما وضع له.
ولكن الذي يحكم به الذوق السليم، وتقتضيه البلاغة: أن اللفظ في غير باب الكناية - من سائر أنواع المجازات - أيضا استعمل فيما وضع له، ولا فرق بين الكناية سائر أنواع المجازات من هذه الجهة.
ولذا يسري الصدق والكذب في هذه القضايا أيضا؛ فإن من يقول: " كنت أقدم رجلا وأؤخر أخرى " مثلا فإما يريد معناه الحقيقي، أو يريد منه لازمه، الذي هو عبارة عن التحير والاضطراب.
وصدقه على الأول إنما هو إذا تقدم أحد رجليه وأخر أخراه، وكذبه عدم ذلك. وأما صدقه على الثاني فإنما هو إذا حصلت منه حالة التحير والاضطراب، وكذبه إنما هو فيما لم يحصل منه تلك الحالة، وإن تقدم أحد رجليه وأخر أخراه.
وبالجملة: أن الاستعمالات المجازية برمتها لم تكن استعمالات الألفاظ في غير ما وضعت لها حتى يكون التلاعب بالألفاظ، بل استعمالات لها فيما وضعت لها؛ فالتلاعب إنما هو في المعاني حسب ما فصلناه.
ولم يشذ منها صيغة الأمر وهمزة الاستفهام، بل استعمل كل منهما في معناهما الموضوع له؛ من إيجاد البعث الاعتباري والاستفهام.
غاية الأمر: استعملت هيئة الأمر - مثلا - في البعث ليحق ويثبت ذهن السامع عليه، ويفهم منها ذلك، فيبعث إلى المطلوب، فيكون حقيقة. وربما تستعمل فيه، لكن ليتجاوز ذهنه إلى المعنى المراد جدا بعلاقة ونصب قرينة.