المبحث السادس في الوجوب الكفائي وتوضيح الحال فيه يحتاج إلى بيان مقدمة وهى ان الغرض من المأمور به تارة يترتب على صرف وجود الطبيعة واخرى على مطلق وجودها الساري والأول منهما يستتبع حكما واحدا متعلقا بصرف وجود الطبيعة فيكتفى في امتثاله بالاتيان بفرد واحد وهذا بخلاف الثاني فان الحكم في مورده ينحل ويتعدد بتعدد افراد تلك الطبيعة ولا يجتزى في مقام الامتثال بايجاد فرد منها مثلا إذا كان غرض المولى مترتبا على اكرام صرف وجود العلم فالحكم المجعول في مورده يكون واحدا أيضا ولازمه جواز الاكتفاء باكرام واحد من العلماء إذ لا معنى لبقاء وجوبه بعد حصول الغرض الداعي إلى جعله واما إذا كان الغرض مترتبا على اكرام كل من يصدق عليه انه عالم فالحكم المجعول في مورده يتعدد افراده فيتوقف امتثال حكم كل فرد على الاتيان بخصوص متعلقه إذا عرفت ذلك فاعلم أن الغرض من المأمور به كما أنه يختلف باعتبار ترتبه على صرف الوجود أو على مطلق الوجود كذلك يختلف بالإضافة إلى المكلف فتارة يترتب الغرض على صدور الفعل من صرف وجود المكلف واخرى يترتب على صدوره من مطلق وجوده وعلى الثاني فالوجوب يكون عينيا لا يسقط بفعل أحدهم عن الباقين بخلاف الأول إذ المفروض فيه ان موضوع التكليف هو صرف وجود المكلف فبامتثال أحد المكلفين يتحقق الفعل من صرف وجود الطبيعة فيسقط الغرض فلا يبقى مجال لامتثال الباقين ومنه ظهر انه لو حصل الفعل من الجميع في عرض واحد لاستحق كل واحد منهم ثوبا امتثال ذلك الامر كما لو كان منفردا لصدق صرف الوجود عليه كما أنه عند مخالفة الجميع يستحق كما واحد منهم العقاب لتحقق مناطه فيه وهذا الوجه الذي ذكرنا هو التحقيق في تصوير الوجوب الكفائي (واما ما قيل) من أن الخطاب متعلق بكل واحد منهم عينا غاية الأمر انه مشروط بعدم فعل الاخر ففي الحقيقة هناك خطابات متعددة بعدد اشخاص المكلفين كل منها مشروط بعدم صدور الفعل من الاخر
(١٨٧)