وأما عن إشكال توجه الخطاب في قوله: يا أيها الناس، ويا أيها الذين آمنوا فلا يمكن بذلك، لان في القضية الحقيقية - كما عرفت - يكون الحكم على أفراد عنوان قابل للصدق على كل مصداق، وجد وسيوجد في ظرفه، وأما الخطاب فليس كذلك، بل لا بد لصحته من أن يتوجه إلى حاضر ملتفت، فإن الخطاب نحو توجه تكويني نحو المخاطب لغرض التفهيم، ومثله لا يمكن أن يتعلق بعنوان أو أفراده و لو لم تكن حاضرة في مجلس التخاطب، ولهذا لا بد لتصحيحه - على الفرض - من التشبث بتنزيل المعدوم منزلة الموجود، أو غير الشاعر منزلة الشاعر الملتفت، كالخطاب للقمر والجبل، وهذا التنزيل ليس لازم القضية الحقيقية، كما توهم.
كما أن الانشائيات ليست من القضايا الحقيقية، لان الخطاب العمومي مثل: يا أيها الذين آمنوا لا يمكن أن يكون متوجها بنحو الخطاب الحقيقي إلى أفراد العنوان، حتى يكون كل فرد مخاطبا بالخطاب اللفظي في ظرف وجوده، لان أدوات النداء وضعت لإيجاد النداء، لا لمفهومه، والمخاطبة نحو توجه إلى المخاطب توجها جزئيا مشخصا، فمع الالتزام بأن الخطابات حال الوحي كانت خطابا إلهيا متوجها نحو المخلوق، وكان مثل رسول الله مثل شجرة موسى عليه السلام لا محيص عن الالتزام بتنزيل المعدوم وغير الحاضر منزلة الموجود الحاضر، وهو يحتاج إلى الدليل بعد عدم كونه لازم القضية الحقيقية، كما تقدم، فالتخلص - حينئذ - عن الاشكال هو ما تقدم، فتبصر.