أقول: هذه المقدمة بصدد بيان محط البحث، ولا إشكال فيها من هذه الجهة، إلا أن الاعتراض على الشيخ الأعظم من أغرب الأمور، ناش من عدم التأمل في كلامه، ونحن نذكره لكي يتأمل فيه:
قال - قدس سره (1) - بعد إيراد شبهة في وجوب الاخذ بأحد المتعارضين بناء على السببية: إن الحكم بوجوب الاخذ بأحد المتعارضين في الجملة وعدم تساقطهما، ليس لأجل شمول اللفظ لأحدهما على البدل من حيث هذا المفهوم المنتزع، لان ذلك غير ممكن كما تقدم وجهه في بيان الشبهة، لكن لما كان امتثال التكليف فيهما كسائر التكاليف الشرعية والعرفية مشروطا بالقدرة، والمفروض أن كلا منهما مقدور في حال ترك الاخر وغير مقدور مع إيجاد الاخر، فكل منهما مع ترك الاخر مقدور يحرم تركه ويتعين فعله، ومع إيجاد الاخر يجوز تركه ولا يعاقب عليه فوجوب الاخذ بأحدهما نتيجة أدلة وجوب الامتثال والعمل بكل منهما بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة، وهذا مما يحكم به بديهة العقل. إلخ انتهى.
وأنت إذا تأملت فيه تجد أن مقصوده أن العقل يتصرف في مقام الامتثال، بلا تصرف في نفس الأدلة كما عرفت فيما تقدم من تحقيقه، و أن التقييد العقلي إنما هو في وجوب الامتثال، وهو حكم عقلي ليس للشارع تصرف فيه وتعبد بالنسبة إليه، وهو أجنبي عن الترتب المتقوم باشتراط التكليف بعصيان بالآخر، فضلا عن الترتبين مما تحكم بديهة العقل بامتناعهما، للزوم